مؤسسة الفكر العربي تستنهض همة الأمة العربية لتحافظ على اللغة العربية، وقد أصدرت إعلاناً بهذا الصدد نقلته وسائل الإعلام ونشرته مؤسسة الفكر العربي في موقعها على الإنترنت بعد اختتام ملتقى (لننهض بلغتنا) المنعقد يوم 11 محرم 1434هـ في مدينة دبي بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي وبحضور وزراء الثقافة العرب ورؤساء المجامع اللغوية في الدول العربية وبحضور نخبة من رموز الفكر والثقافة وخبراء اللغة. لقد سمع وقرأ المسؤولون عن التعليم في الوطن العربي هذا
الإعلان الصادر عن هذا الملتقى، كما سمعوا وقرأوا ما كتب وقرّر بهذا الخصوص في مؤتمرات وندوات سابقة وهم يعلمون قبل غيرهم أن اللغة العربية مكون أصيل من مكونات هوية الأمة العربية كما يقول الملتقى وأن اللغة العربية رمز خالد لانتماء أبناء وبنات وجمهور الأمة العربية ويعلم المسؤولون عن التعليم ويعلم أصحاب القرار في الأمة العربية أن اللغة العربية تمثِّل ذاكرة الأمة الثقافية والحضارية، وقد أسهمت من خلال حركة الترجمة المتبادلة في إثراء قيم الحوار والتقارب بين الشعوب، ويعلم الجميع بأن التاريخ وواقع الحال يثبت كل منهما أنه لم يسجّل على مرّ القرون نهضة علمية لأي شعب من الشعوب بغير لغته الوطنية مما يبرهن على أن اللغة العربية تمثّل قضية أمن قومي بلا منازع وهذا ما أعلنه الملتقى المشار إليه وهو المستقر في عقيدة أمم العالم قاطبة وهي سنّة كونية لا تتغيّر ولا تتبدل ولهذا فإن اللغة العربية أداة معرفية ضرورية للأمة العربية ولا يمكن بحال من الأحوال الاستغناء عنها في أي مشروع عربي تنموي جاد. هذا ما أوحي به إعلان الملتقى لمن يتدبر ذلك الإعلان.
ومن المقرر في ذاكرة الأمم وفي مقدمتها الأمة العربية أن موجبات إعلاء شأن لغة أي أمة لا يتعارض مع اعتبارات الانفتاح على الثقافات العالمية وتعلّم اللغات الأجنبية والترجمة منها وإليها، ويضرب الباحثون مثلاً بمكتبة الكونجرس الأمريكية التي لا تترك شاردة ولا واردة مما يصدر من كتب وبحوث ودوريات ذات أهمية إلا حصلت على نسخة منها واحتفظت بها باللغة التي صدرت بها وترجمتها وأثرت بها فكرها ولغتها وتراثها مع حرص أمريكا وتفانيها في نشر اللغة الإنجليزية على مستوى العالم وإعلاء شأنها وقبلها ومعها صاحبة اللغة نفسها بريطانيا في نفس المسار والسعي إلى الانتشار وبكل وسيلة ممكنة.
وقد أحسن الملتقى آنف الذكر حينما دعا إلى ضرورة الوعي بما تواجهه اللغة العربية من تحديات وتعديات وما تشهده من تراجع يكاد يبلغ حد الاغتراب على صعد شتّى تعليمية وتربوية وتقنية وإعلامية وإبداعية نتيجة لهيمنة اللغات الأجنبية والعاميات المحلية على العربية الفصحى.
ويعتبر الملتقى أن تنوّع مظاهر أزمة اللغة العربية يتطلب تنوعاً مماثلاً في خطط حمايتها والنهوض بها وتطوير استخدامها لمواجهة متغيّرات العصر الرقمي وتقنياته العلمية الحديثة وبخاصة ما يفرضه التواصل مع الإنترنت ويمكن للراغب في المزيد مما صدر عن الملتقى المشار إليه أن يرجع إلى موقع مؤسسة الفكر العربي على الإنترنت.
وختاماً نقول إن ما نادى به المجتمعون في (ملتقى لننهض بلغتنا) من ضرورة إصدار نظم وتشريعات عربية لحماية اللغة العربية ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار وعلى القائمين على المراكز المتخصصة في خدمة اللغة العربية في الوطن العربي أن يعوا وعياً كاملاً مسؤوليتهم ويجدوا في اقتراح المبادرات التي من شأنها أن تحمي حمى اللغة العربية وتعلي من شأنها، ونقول: إن من واجب المسؤولين عن التعليم في عموم مراحله في التعليم الجامعي وفي التعليم العام العربي أن يصغوا إصغاءً كاملاً إلى ما نادت به الملتقيات العربية وما أوصت به مؤتمرات القمة العربية وما تمخضت عنه الندوات على مستوى الوطن العربي، وأن يتقوا الله في لغتهم العربية، كما قال الأمير خالد الفيصل في كلمته التي ألقاها في الملتقى المنوّه عنه. ونقول عليهم أن يتقوا الله أيضاً في صغار التلاميذ وكبارهم، إن تعليم اللغات الأجنبية في السنوات الأولى من مراحل التعليم العام يؤثّر سلباً وبعمق في تدمير مخارج الحروف العربية لدى الطفل، الكل يعلم أن اللغة العربية تملك ما يزيد عن خمسة وثلاثين صوتاً كما قرّره علماء اللسانيات ولكل صوت مخرجه وهي خاصية من خواص اللغة العربية لا تشاركها فيها لغة أخرى البتة. تظهر آثارها في الكلام بعامة وفي قراءة النصوص وبخاصة في تلاوة القرآن.
إن خسارة الأمة العربية في تدمير مخارج الحروف لدى الصغار كارثة عظمى في الحاضر وفي المستقبل القريب والبعيد، واحتمال ظهور أجيال عربية عاجزة عن النطق الصحيح بالحروف العربية خسران مبين وخذلان ومحو للسان العربي على مستوى الوطن العربي والعالم يتحمّل وزره وتبعاته الأمة العربية جميعها وبخاصة المسؤولون عن التعليم في الوطن العربي. وإذا قيل إن من الملائم أن يتعلّم الطفل إلى سن معينة لغته العربية بدون مشاركة لغة أخرى وجوباً في التعليم العام العربي الحكومي والأهلي على حد سواء، فلهذا النهج ما يبرره وحينما يتقن الطالب العربي النطق الصحيح بلغته العربية الفصحى يمكن حينذاك أن يكتسب تعلّم أي لغة يرى من المصلحة أن يتعلّمها في مجمل ثقافته وليس من حق أي لغة مهما كانت أن تفرض نفسها في غير موطنها الأصلي على أي أمة أخرى أو يدّعي مؤيّدوها أن نوعاً من التعليم لا يمكن اكتسابه إلا بتلك اللغة لأن اللغة الوطنية لا تساوم عليها الأمم بحال من الأحوال، ومن تلك اللغات التي يعتز بها أصحابها لغات محدودة والناطق بها قلة من البشر ولكنها عزيزة عليهم وهم يحمونها ويتعلّمون بها وقد نجحوا في تعليمهم وتقدموا خطوات على الأمة العربية التي تملك لغة عالمية. والأمة العربية قادرة بجهد ومالها أن تحمي لغتها وتتعلّم جميع العلوم بها بعزة وبكرامة وبجودة تعليم وتسهيله وبرؤية واضحة, لقد تجاوز الزمن الرأي القائل بأن التعجيم أولى في تعليم بعض العلوم للطالب العربي.
لقد عرف العالم أن لسان كل أمة هو الأولى لتعليم أبنائها وأجمعوا على ذلك ولم يخرج على هذا الإجماع ويخالفه إلا فئة قليلة من العرب ولا بد يوماً أن يتراجعوا والرجوع إلى الحق فضيلة وهم جديرون بها.