طالعتنا وسائل الإعلام مؤخراً بخبر سعيد، ورأي سديد، وحدث جديد، ومشروع مفيد، جاء ذلك في تصريح لسعادة الأستاذ الدكتور عبد الله العوفي، أمين عام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف،
تضمن موافقة صاحب المعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المشرف العام على المجمع معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ على أن يقوم المجمع بطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل.
وفي هذا المقام لا نملك نحن المكفوفين إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله العلي القدير بأن يحفظ بلادنا الحبيبة، وأن يحفظ لها قيادتها الحكيمة كي تواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء في كافة المجالات، كما أنه لا يسعنا إلا أن نتقدم بخالص الشكر، ووافر التقدير، وعظيم الامتنان إلى مقام المسئولين في وزارة الشؤون الإسلامية والقائمين على المجمع على هذه المبادرة الكريمة، والتي استبشر بها المكفوفون خيراً، وخفقت لها قلوبهم فرحة وسروراً، وامتلأت نفوسهم سعادة وحبوراً، وفاضت مشاعرهم رضاً وشكوراً، ورأوا أن حلماً طالما راودهم قد بدأ يتحقق، وطفقوا يدعون الله - سبحانه وتعالى - أن يجعل التوفيق والنجاح والسداد حليف القائمين على هذا المشروع.
وكان العاملون في مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل التابعة لوزارة التربية والتعليم من أكثر الذين احتفوا بهذا الخبر واحتفلوا بأصدائه، ليس رغبة منهم في التخلص من مسؤولية طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل، فخدمة كتاب الله العزيز هي أجل خدمة، وأعظم نعمة، وشرف ليس بعده شرف، وعمل ليس كمثله عمل، وإنما لأنهم يدركون أن فوائد جمة سوف تعود على المكفوفين جراء تنفيذ هذا المشروع، لعل من بينها ما يلي:
1. إن قيام المجمع بهذه المهمة يعد اعترافاً من قبل القائمين عليه بطريقة برايل كإحدى الوسائل التي بموجبها تتم طباعة القرآن الكريم على اعتبار أن القرآن الكريم نزل منطوقاً ولم ينزل مكتوباً.
2. إن في ذلك زيادة كبيرة في عدد نسخ المصحف المطبوع بطريقة برايل، وضماناً لاستمرار الإنتاجية في هذا المجال بحكم الإمكانات الهائلة التي وفرتها حكومتنا الرشيدة لهذا المجمع.
3. إن في ذلك تحقيقاً لمبدأ المساواة بين المكفوفين والمبصرين في قراءة القرآن، إذ يستطيع الكفيف أن يقرأ القرآن بحاسة اللمس كما يستطيع المبصر أن يقرأه بحاسة البصر.
4. إن في تنفيذ هذا المشروع فرصة كبيرة لتوظيف المكفوفين في منطقة المدينة وكافة أنحاء المملكة، خصوصاً أن هناك أعداداً كبيرة منهم قد تخصصوا في مجال القرآن وعلومه واللغة العربية، ولديهم خبرة طويلة في قراءة وكتابة برايل، وبالإضافة إلى ذلك، فإن المسئولين بوزارة التربية والتعليم يعرفون معرفة تامة أن المجمع هو الجهة المعنية بطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل بحكم التخصص، وطالما طالبوه منذ إنشائه بضرورة القيام بمسؤولياته تجاه المكفوفين، وأبدوا رغبتهم الملحة في التعاون معه في هذا المجال.
وقبل أن أختتم حديثي.. آمل أن تتسع صدور إخواني وزملائي الأعزاء في المجمع للملاحظات التالية:
أولاً: مع إعجابي الشديد وتقديري الكبير للزميل العزيز الأستاذ الدكتور/ عبد الله العوفي، إلا أن تصريحه ركز على زيارة الفنيين لبعض الدول الأوروبية، وهذا هو الجانب الشكلي في عملية طباعة برايل، إذ إنه يتعلق بالأجهزة والأدوات الخاصة بطباعة برايل، والتي يمكن توفيرها بيسر وسهولة في عصر المعلوماتية، ولم يشر إلى الزيارات المتكررة التي قام بها المسئولون في المجمع لمطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل، وبذلك أغفل التركيز على الجانب الجوهري في هذه العملية، وهو الجانب المتعلق بالمعرفة والخبرة في مجال نظام برايل العربي، وخصائصه الفنية، وأساليب الطباعة المتبعة، والبرامج الحاسوبية المعتمدة، وطرق التدقيق والمراجعة.
وهذا يدعوني إلى طرح بعض التساؤلات التي أجزم أنه لا محل لها في مثل هذا التصريح، لكن الإجابة عنها ضرورية لضمان العمل المؤسسي الذي نتطلع جميعاً إلى تحقيقه، وتتمثل هذه التساؤلات فيما يلي:
1. ماذا بشأن الفتوى الخاصة بجواز طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل؟
2. هل سيقوم المجمع بطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل بالخط الإملائي؟ أم بالرسم العثماني؟ أم بالاثنين معاً؟
3. هل تمت مراجعة طبعات القرآن الكريم بطريقة برايل السابقة، مثل الطبعة المصرية، والطبعة الأردنية، وطبعتي وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية؟
4. هل تمت مراجعة توصيات ومداولات الندوات والملتقيات وورش العمل التي نظمتها مطابع برايل في العالم الإسلامي؟
5. ماذا عن الجوانب الفنية المتعلقة بطباعة المصحف الشريف بطريقة برايل، مثل عدد مجلدات المصحف، واستخدام المصطلحات، وعلامات الضبط، وعلامات الأحزاب، وغيرها؟
6. هل سيستفيد المجمع من البرامج الحاسوبية التي طورتها وجربتها مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل على مدى السنوات الماضية؟ وهل سيستفيد من الخبرات والكفاءات المدربة في هذه المطابع؟ أم أن هناك توجهات أخرى في هذا الخصوص؟
7. هل سيكتفي المجمع بطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل فقط؟ أم أنه سيقوم كذلك بطباعة التفاسير القرآنية، والأحاديث النبوية، وأمهات الكتب الدينية أسوة بما يتم بشأن المصحف الشريف المطبوع بالخط العادي؟
وأستطيع أن أقول - بكل فخر واعتزاز - أنه لا يمكن التعامل مع هذه التساؤلات والموضوعات إلا من خلال بيوت الخبرة في المملكة العربية السعودية؛ فوزارة التربية والتعليم بالمملكة ممثلة في الأمانة العامة للتربية الخاصة هي التي نظمت المؤتمر الإقليمي عام 1423هـ بغرض توحيد وتطوير نظام برايل العربي، وهي التي قدمت مشروع نظام برايل العربي المطور الذي تم اعتماده من قبل المؤتمرين الذين يمثلون الدول العربية، وأصبح هذا النظام هو المعمول به حالياً في تلك الدول.
أما مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل، فقد أنشئت عام 1402هـ، وأخرجت الطبعة الأولى من القرآن الكريم بطريقة برايل إلى حيز الوجود عام 1407 هـ، وتشرفت بحمل مسماها الحالي عام 1412 هـ بموجب الأمر السامي الكريم رقم 5-7-99 وتاريخ 24-7-1412 هـ، ونظمت عام 1418هـ ندوة علمية لمناقشة أساليب طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل، وشكلت العديد من اللجان العلمية والفنية لإخراج المصحف الشريف وفق آخر المستجدات وأرقى المواصفات في مجال طباعة برايل.
وهي تقوم بمهمة طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل على مدى ثلاثين سنة، وقد وزعت وما زالت توزع مجاناً أعداداً كبيرة من نسخ القرآن الكريم المطبوع بطريقة برايل، والمكفوفون في كافة أنحاء المعمورة يتلقفون هذا المصحف بشغف شديد، وحب وتقدير، وثقة ومصداقية، ويقدمونه على غيره من الطبعات الأخرى، وما ذاك إلا لأنه يطبع في المملكة العربية السعودية مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، وموطن الوسطية والاعتدال، والبلد الذي نالت قيادته قصب السبق في كافة المجالات الإنسانية، ونالت إعجاب العالم وتقديره بسبب مواقفها النبيلة تجاه قضايا بني الإنسان.
وأنا على يقين تام بأن الزملاء الأعزاء في المجمع يعون حقيقة مهمة، وهي أن وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الإسلامية ليستا جهتين ربحيتين متنافستين، وإنما هما جهتان حكوميتان متكاملتان، مصدر تمويلهما واحد ومرجعيتهما الإدارية واحدة، وفي هذا الإطار ومن خلال هذا المنبر، فإنني أكرر الدعوة لهم بأن يستفيدوا من تجربة مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل التي هي بيت الخبرة في العالم الإسلامي، وأن يبدأوا من حيث انتهى الآخرون تحقيقاً لمبدأ التعاون والتنسيق والتكامل بين القطاعات الحكومية والأهلية والخيرية في البلد الواحد.
ثانياً: لم يتضمن تصريح سعادة الأمين العام أية أطر زمنية تحدد تاريخ بدأ تنفيذ المشروع، والمراحل التي يمر بها، والتاريخ المتوقع للإنتاج الفعلي، وهذا الأخير يهمنا كثيراً لأن مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل سوف تتوقف تماماً عن طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل في اليوم الذي يبدأ فيه المجمع بالإنتاج، وذلك تلافياً للازدواجية، وحرصاً منها على التركيز على طباعة الكتب الثقافية والعلمية والاجتماعية، وإصدار المجلات والدوريات بطريقة برايل، والتي يعاني العالم العربي كله من ندرة شديدة في مجالها، وتتطلع المطابع إلى اليوم الذي تستطيع فيه جمعيات المكفوفين القيام بواجباتها في هذا السبيل كي تتفرغ هي إلى القيام بدورها الأساسي، وهو الإسهام في الارتقاء بمستوى الخدمات التعليمية المقدمة لأبنائنا وبناتنا ذوي الإعاقة البصرية، وذلك من خلال تحولها إلى مركز لطباعة برايل وإنتاج الوسائل التعليمية.
ثالثاً: يبدو من تصريح سعادة الأمين العام أن الجهة التي تشغل المجمع حالياً هي التي سوف تتولى تنفيذ هذا المشروع، وتحقيقاً لمبدأ إتاحة الفرصة للجميع بنيل شرف القيام بهذه المهمة، وحتى لا يقع المجمع في الخطأ الذي اتهم به عبر وسائل الإعلام، وهو تغليب مصلحة جنسية عربية على مصلحة أبناء الوطن وبناته، وضماناً لمعايير ضبط الجودة في الإنتاج، فإنني أقترح أن يقوم المجمع بطرح المشروع في مناقصة علنية وفق وثيقة طلب عروض (RFP)، تتضمن خلفية كاملة عن المشروع، وأهدافه ورسالته ورؤيته، ومراحل تنفيذه، ومتطلبات تحقيقه، والأطر الزمنية اللازمة لإخراجه، وهذا لا يعني - بأي حال من الأحوال - ألا تكون جهة التشغيل الحالية إحدى الجهات المتقدمة بطلب تشغيل المشروع، المهم أن تتم عملية الاختيار وفق ضوابط علمية فنية محكمة تأخذ بعين الاعتبار الاختلاف بين الطباعة بطريقة برايل والطباعة بالخط العادي.
المشرف العام على مطابع خادم الحرمين الشريفين لطباعة القرآن الكريم بطريقة برايل - رئيس مجلس إدارة جمعية المكفوفين الخيرية بمنطقة الرياض