تكفل الزميل «سلمان الدوسري» بالرد على تقرير «الواشنطن بوست» حول قضية «الفقر في السعودية»؛ وشدني في مقاله المنشور في الاقتصادية؛ تحت عنوان « فقر في السعودية على الطريقة الأميركية» أصل القضية التي بُنِي عليها التقرير؛ حيث ذكر ما نصه: « أن الفكرة الأساسية التي اعتمد عليها التقرير هي حوار معد مع أسرة فقيرة انطلق منها لاكتشاف ‹›ملايين الفقراء من السعوديين››، لنفاجأ بأن هذه الأسرة ليست سعودية من الأساس».
أتفق مع الأخ سلمان الدوسري في رفض فكرة أن «الملايين في السعودية يعيشون في الفقر»؛ و»الناس في حالة جوع»؛ فهو أمر لا يمكن تصديقه؛ برغم وجود الفقر والفقراء في المجتمع، واعتراف الحكومة به؛ فهذه سنة الحياة، وحكمة الله في خلقه حيث جعل منهم الغني والفقير؛ ولولا الفقراء لما أوجب الله الزكاة، ورغب في الصدقة والإنفاق على المحتاجين؛ إلا أن المبالغة في احتساب عددهم، وتصوير الناس في السعودية؛ بصفة العموم؛ بأنهم في حالة جوع أمر لا يقبله عقل، ولا يقره مُنصف. أتفق معه أيضا بأن الفقر موجود في أميركا؛ وأضيف بأن المكتب الأميركي للإحصاء، أعلن عن تسجيل أكثر من 36.5 مليون أميركي ممن يعيشون تحت خط الفقر، و47 مليون محرومون من أي ضمان صحي!.
أعود إلى الأسرة غير السعودية التي بنى عليها مراسل «الواشنطن بوست»؛ «كيفين سوليفان» قضيته؛ وأقول إننا قد نتفاجأ مستقبلا بكثير من التقارير السلبية المتنوعة التي تُبنى على المُقيمين غير الشرعيين من متخلفي الحج والعمرة، أو عابري الحدود البحرية والبرية، من المهاجرين غير الشرعيين، ممن يجدون في المملكة الملجأ الآمن، والمنقذ من الفقر والمرض والقتل والترويع؛ فيستوطنون أراضيها ويتكاثرون ويشكلون مجتمعات عشوائية فقيرة وخطرة في أطراف المدن، والجبال، والمناطق المهجورة. جماعات بشرية تنمو وتتكاثر بشكل مخيف؛ لا تحصل على التعليم ولا العلاج ولا العمل النظامي؛ ولا يحظى مواليدهم بالتسجيل الرسمي بسبب عدم قانونية تواجدهم، الذي يتعارض أيضا مع القوانين الدولية.
يتحول هؤلاء المهاجرون مع مرور الوقت إلى جزء من المجتمع؛ يؤثرون ويتأثرون به؛ بغض النظر عن نظامية تواجدهم؛ وأحسب أن هذه إحدى القضايا الإيجابية التي يمكن أن نقتنصها من تقرير «الواشنطن بوست»؛ فتبعية الجماعات غير الشرعية ستتحملها السعودية؛ وبخاصة المواليد الذين أبصروا الدنيا على أراضيها و نشأوا وترعرعوا فيها؛ ما يفرض عليها مواجهتهم بحزم وترحيلهم. إضافة إلى ذلك فقاطني المناطق الحدودية من مجهولي الهوية قد يتسببون بإشكالات دولية؛ ما لم تتم معالجة أوضاعهم عاجلا. كثير من هؤلاء يعيشون في تجمعات يحيط بها الفقر المدقع من كل جانب؛ ما يجعلهم قضية من قضايا التشهير التي يبحث عنها المتربصون.
ومن القضايا الإيجابية أيضا إبراز التقرير لقضية الفقر؛ وإن بالغ فيه حد الكذب؛ فالصدمات المُزعجة تبعث على التفكر في القضية من جوانب متعددة. أعتقد أن إعادة النظر في آلية تنفيذ «إستراتيجية الفقر» التي أقرها خادم الحرمين الشريفين وأعتمد لها عشرات المليارات؛ وأنشأ لها صندوقا خاصا، ومدن ومجمعات سكنية للفقراء أمر غاية في الأهمية. تلك الإستراتيجية؛ برغم ما حققته من نجاحات؛ إلا أنها ما زالت في حاجة للتطوير وبما يكفل خفض عدد الفقراء؛ من خلال رفع مستوى معيشتهم، وتوفير الوظائف لأبنائهم، والسُكنى لهم، و مساعدتهم على مساعدة أنفسهم، وتحويل المعونات المالية إلى وسيلة للدعم والتطوير كما حدث في بعض الدول المتميزة في تعاملها مع قضايا الفقر.
النية الصادقة، والإرادة القوية لخادم الحرمين الشريفين، الكامنة خلف كشف الستار عن مشكلة الفقر في العام 1423 وإطلاق إستراتيجية مكافحته، يجب أن تقابل بعمل دؤوب يصنع المعجزات من خلال الأدوات والميزانيات المتاحة، ويقضي على الفقر المدقع، والمطلق في مدة زمنية قصيرة. ما زلت أعتقد أن التعامل مع القرى الفقيرة والمدن الحدودية يجب أن تكون على رأس برامج مكافحة الفقر في السعودية؛ فهي لا تحتاج إلا إلى ميزانيات محدودة؛ إلا أن حجم التغيير الذي يمكن إحداثه فيها سيكون كبيرا ولا شك. تركيز الجهود والتعامل المباشر مع كل بؤرة فقر يُبرزها الإعلام يضمن تقليص حجم الفقر بشكل سريع.
من الأساليب غير التقليدية في التعامل مع المشكلة تتبع التقارير الصحفية والتلفزيونية من أجل معالجة مشكلات الفقر التي تتحدث عنها تلك التقارير، والعمل على فتح فروع في المناطق والقرى النائية لصندوق الفقر، وتخصيص فرق لرصد الحالات غير المسجلة، وإجراء مسح ميداني شامل لجميع مناطق المملكة. وأهم من ذلك أن يشرك أعضاء من الفقراء في لجان وإدارات صندوق الفقر، ووزارة الشؤون الاجتماعية فالفقراء أكثر الناس قربا ومعرفة بأحوال أقرانهم، وهم أكثر تفاعلا مع خطط المكافحة من الأغنياء والمرفهين. التفكير الإيجابي يمكن أن يساعدنا بتحويل تقرير»الواشنطن بوست» السلبي ؛ إلى تقرير إيجابي يقودنا إلى اكتشاف مناطق الضعف ومعالجتها والتخلص منها.
f.albuainain@hotmail.com