في تصرف ذكرني بالخميني عندما قلب لشركائه في الثورة ظهر المجن، وأدخل بعضهم السجون، وأعاد آخرين إلى المنافي، أحال المستشار طلعت عبدالله، النائب العام المصري (الجديد)، الثلاثاء الماضي، بلاغاً إلى المحامي العام الأول لنيابات أمن الدولة العليا يتهم فيه عمرو موسى، وحمدين صباحي، المرشحين السابقين في انتخابات الرئاسة، والدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، والدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، والمستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة، بالتخابر و(التحريض على قلب نظام الحكم)، للتحقيق فيه!
من الواضح أن الأخوان في مصر يتّبعون سنن الخميني في السيطرة على الدولة حذو القذة بالقذة، حتى ما يُسمى بالتيارات السلفية التي يتحالفون معها الآن، سيلحقونهم مستقبلاً ببقية الأحزاب التي شاركت في الثورة، وسيتهمونهم هم أيضاً (بالتخابر والتحريض على قلب نظام الحكم)، متى ما شعروا أنهم يُشكلون خطراً على (أخونة) الدولة؛ تماماً مثل ما انقلب الخميني على زميله آية الله منتظري، وفُرضت عليه الإقامة الجبرية، وتعرض طلابه للسجن، وعدد من أقربائه وأتباعه للاغتيال.
والسؤال الذي يطرحه السياق هنا، والإخوان يكررون تجربة الخميني، ويلغون (كل) حلفائهم، ويستحوذون منفردين على السلطة، ويُصدِرون دستوراً جرى تصميمه ليمكنهم من الحكم إلى الأبد: هل يمكن تكرار التجربة الخمينية في مصر؟
مصر تختلف عن إيران؛ إيران دولة غنية بمواردها البترولية؛ كان النفط هو المورد الذي جعل ثورة الخميني تذهب بعيداً في استقلال قراراتها السياسية، بغض النظر عن فحوى هذه القرارات، وتستغني عن مساعدة الآخرين؛ في حين أن مصر تئنُ من معوقات اقتصادية متراكمة وعميقة تجعلها بشكل دائم في حاجة ماسة إلى المساعدات المالية من الخارج، وبالتالي فكلما تعقدت مشاكلها السياسية، واتسعت رقعة الخلافات والانقسامات بين فئاتها الاجتماعية، انعكست سلبياً على الاستقرار السياسي في الداخل، ما يجعل المستثمرين الخارجيين ورجال الأعمال في النتيجة يُحجمون عن الاستثمار في مصر، كما أن الحصول على القروض من الصناديق الدولية في الخارج سيصبح أصعب؛ وهذا مع الزمن سيحول أوضاع مصر الاقتصادية إلى كرة ثلج تتدحرج من أعلى التل، ويزداد حجمها وخطورتها مع الزمن.
صحيح أن الإخوان اليوم يسيطرون على الشارع، وكتلة داعميهم أكبر من الكتلة الشعبية التي تدعم مناوئيهم، غير أن هذه المعادلة لن تبقى دائماً كما هي؛ فالفشل الاقتصادي المتوقع كفيلٌ بتقليص كتلة أتباعهم، ومحاصرتهم، وتحريض الشعب عليهم؛ وهذا التحدي أهم وأخطر بمراحل مما يواجهونه اليوم من تحديات سياسية.
وغني عن القول إن الاخوان عندما استولوا على أول حكومة بعد الثورة كان هدفهم أن يُصمموا دستوراً على مقاساتهم، يُعطيهم أفضلية إلى الأبد على الآخرين لينفردوا بالحكم، فكان لهم ما أرادوا، ولم يبقَ عليهم الآن إلا السيطرة على (الأزهر)؛ حيث تنص (المادة الرابعة) من الدستور الجديد على أن الأزهر هو المعني (حصراً) بتحديد مقتضى (المادة الثانية) من الدستور: (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع) وكذلك المادة 219 الشارحة للمقصود بمبادئ الشريعة والتي هي محل جدل بين التيارات والفئات السياسية المختلفة؛ فإذا سيطروا على الأزهر، وعيّنوا أحد كوادرهم على رأس هرمه، وشكلوا داخله هيئة كبار العلماء من كوادرهم أو المتعاطفين معهم، أصبحوا حكماً مسيطرين على الدولة بحكم الدستور؛ ويبدو أن الخطوة الثانية التي سيقدم عليها الرئيس مرسي لإحكام قبضة الإخوان على الدولة أن يُعين شيخاً إخوانياً على الأزهر؛ خاصة وأن آلية اختياره حسب (المادة الرابعة) من الدستور الجديد بقيت مُبهمة.
ومهما يكن الأمر فإن محاولاتهم السيطرة على مصر تواجه ممانعات وتحديات من قطاعات سياسية من الآن قد تُدخل مصر إلى نفق مظلم كما هي بوادرها، فإذا أضفنا إليها التحديات الاقتصادية الجسيمة التي تنتظرهم، فإن قدرتهم على البقاء في السلطة بشكل دائم كما يطمحون يكاد يكون شبه مستحيل؛ ومرة أخرى نجاح الخمينيين في السيطرة على الدولة في إيران سببه الكنوز النفطية، بينما مصر ليس لديها من ثروة إلا سواعد أبنائها؛ وهذا هو الفرق الجوهري بين هؤلاء وأولئك.
إلى اللقاء