سؤال للقارئ الكريم: هل تستخدم المهدّئات؟ لا يحتاج أن تجيب فأنا أعرف الإجابة: نعم، أنت تستخدمها!
أتى وقت التوضيح، فعندما أقول «مهدئات» فأنا لا أقصد أدوية أو حبوباً! وإنما هذه كلمة يستخدمها خبراء لغة الجسد، و»لغة الجسد» هي الحركات التي يصنعها الناس إما شعورياً أو لا شعورياً ولها معانٍ، ومن هؤلاء الخبراء جو نافارو وهو موظف سابق في الشرطة الفدرالية الأمريكية تخصَّص في قراءة لغة الجسد، وقال في كتابه «ما تقوله الأجساد» -والذي شرح فيه معلومات كثيرة عن لغة الجسد- أنه اضطر إلى تعلُّم لغة الجسد لأنه أصلاً ليس أمريكياً بل هو من كوبا اللاتينية، وأتت به والدته لأمريكا في طفولته ولم يندمج جيداً في المدارس لأنه لم يكن يتكلم إلا الإسبانية، وأتته مضايقات وسخريات كثيرة فحاول الاستعاضة بقراءة لغة الجسد في تلك الفترة ليَحذَر من الذين ينوون إيذاءه، وحتى لما تعلَّم الانجليزية لاحقاً ظل مهتماً بلغة الجسد واحترفها حتى التحق بالشرطة الفدرالية الأمريكية وصار من خبرائهم في قراءة أجساد المتَّهمين.
عودة إلى «المهدئات»، هذه كلمة استخدمها نافارو في كتابه ليعني بها حركات لا شعورية في الغالب يقصد بها الشخص تهدئة نفسه، ومن يتأمل تصرفات الناس يجدها كثيراً، فهي تأتي عند الشعور بالضغط أو عدم الارتياح من شيءٍ ما، فمن المهدئات المتعلقة بالجزء السفلي من الجسم أشياء يفعلها المرء للساقين والقدمين، ومن ذلك مسح الفخذين براحة اليدين أماماً وخلفاً من أصل الفخذ إلى الركبة، وهذه لا ينتبه لها الناس لأنها تحصل أسفل المنضدة أو خلفها في الاجتماعات أو المقابلات مثلاً، ولكنها مما يفعله الإنسان لطمأنة نفسه.
ومن أكثر المهدئات شيوعاً لمس الرقبة، فمن الناس من يدلك مؤخرة رقبته، ومنهم من يلمس مُقدِّمها اللين أسفل الذقن، وهذه المنطقة غنية بالأعصاب وعند لمسها تخفض ضغط الدم وتقلل ضربات القلب وتهدّئ الإنسان، ولا يَلَزم أن يكون اللمس طويلاً بل يمكن أن لا يأخذ أكثر من لحظة. والجنسان يختلفان في استعمالهما لهذه الحركة المهدئة، فالرجال يلمسون ويفركون رقابهم عند التوتر، أما النساء فهنَّ أخفى عندما يفعلن هذا، فإذا صارت الأنثى في وضع مضغوط أو متوتر فإنها قد تعبث بقلادتها وهي طريقة غير مباشرة للمس العنق للتهدئة، وقد تلمس وتغطي أسفل الرقبة بيدها، وهي المنطقة التي تعلو القلب قليلاً، ومما لاحظه نافارو أن الحامل تضع يدها على تلك المنطقة أولاً ثم تنزل يدها إلى بطنها، وكأنها تحمي الجنين لا شعورياً. يذكر نافارو قصة في هذا الشأن وهي أنه كان يبحث عن قاتل واشتبه أنه يختبئ في بيت أمه، ولما زارها نافارو في بيتها وأخذ يسألها لاحظ شيئاً، لاحظ أنها تجيب أسئلته بثقة وبلا توتر لكن كلما سألها «هل ابنك يختبئ الآن في بيتك؟» كانت يدها تمتد لتلمس أسفل الرقبة عندما تجيب «لا»، ووجدوا أن القاتل فعلاً كان مختبئاً هناك وقبضوا عليه.
لسانها قال شيئاً وكذَّبَهُ جسدها، ويقول نافارو أن لغة الجسد أصدق بكثير من اللسان، ويَلوح لي أنه محق! وسنرى المزيد من هذه اللغة العجيبة في مواضيع قادمة إن شاء الله.