سعدت بحضور ندوة (الوسطية منهج رباني ومطلب إنساني) التي نظمها كرسي الإمام محمد بن عبدالوهاب للوسطية ودراساتها بالجامعة الإسلامية برعاية الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنورة في شهر محرم 1434هـ. وقد كانت الندوة واضحة وصريحة وشفافة حينما أكدت على (أن قيام التكاليف الشرعية بعمومها ليس على درجة واحدة أو شكل واحد؛ فهناك درجات متفاوتةٌ وأشكال عديدة من التّكاليف المتداخلة، تستنبط من طبيعتها العينيّة والكِفائية؛ ويترتب بعضها على بعض). لذا جاء الأمر الرباني بحثّ الأنبياء على تنويع أساليبهم في الدعوة والتأكيد على الوسطية؛ ليتحقق التأثير والإقناع؛ لأَن مهمتهم لا تنحصر في حشد جوانب الفكرة وإيصالها للناس؛ وإنما في تحرِّي سُبل التأثير من أَجل إقناعهم، ونقل الفكرة من نطاق العرض للإفهام، إلى مجال الإقناع للتطبيق.
عرضت الندوة في أول محاورها تحرير منهج الوسطية، وبيان أهميته في استقامة أُمور الأُمة من التفرق وتعدد الرؤى، وإبطال الادعاء بالانتساب إليه، وتتبع مسائل أصول الفقه ودراستها من خلال إيراد وعرض الأقوال المعتدلة والحسنة فيها من النصوص الشرعية وكلام العرب. تأكيدا لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143).
ونتج عن الندوة عدد من التوصيات كان من أهمها مطالبة الدعاةَ والتربويين بالعناية بمسألة التكفير وعدم إطلاقها دون موافقة النصوص واتفاق العلماء، حيث لابد من شروط للتكفير، فلا يحكم فيه بالظنون والأهواء.
كما دعا المشاركون في الندوة العلماء والمربين والإعلاميين بفتح باب الحوار والمناقشة؛ لتحرير الأفكار من تبعية حملات التشويه والتضليل، ولوقاية المسلمين من الإرهاب والعنف والكراهية.
ومن الجميل إجماع المشاركين في الندوة على اتساع صدر الأدب الإسلامي لكل جديد، وتشريع أبوابه لجميع الثقافات والمعارف؛ فالوسطيةُ لا تعادي الجديد، ولا تقف ضد الإبداع؛ طالما لا يتعارضان مع ثوابت العقيدة الإسلامية، حيث تستند ثقافة الاختلاف في المجتمع على الفروع الفقهية دون أصولها.
وحثت الندوة على عقد الدورات والندوات وورش العمل للتعريف بفقه وسطية الإسلام والدعوة إليه، والخطوات التي يقف الداعية عليها؛ لتحقيق الوسطية المطلوبة؛ مع التأكيد على أهمية اضطلاع الوالدين بتربية أبنائهما على منهج الوسطية واتباع أسلوب الحوار والإقناع داخل الأسرة؛ لينشأوا قادرين على مواجهة التَّحديات والمغريات بقناعة وقوة واقتدار، وليصبحوا أفراداً صالحين نافعين لأنفسهم وأُمتهم، وإعدادهم إعداداً سليماً لوقايتهم من التكفير والتشدد، أو اللامبالاة والتهاون والضعف أو حتى الحيرة. وكذلك العناية بقطاع الشباب؛ لإنقاذهم من نزعات الشك، وزعزعة الثوابت واليقينيات والإباحية، والاستهتار بالأديان أو التطرف والغلو الإرهاب.
ما نرتئي من الجامعة الإسلامية -وهي القادرة بإدارتها الناشطة- عدم الاكتفاء بهذه الندوة الثرية؛ وإنما السعي لإعداد مؤتمر عالمي حول الوسطية واستقطاب مفكرين ودعاة ومثقفين؛ لمناقشة منهج الوسطية كفكر ننتظر سيادته في العقول وممارسته في المجتمع وتحويل توصيات المؤتمر لبرنامج عمل ونظام حياة.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny