قبل أسبوعين تقريباً اغتالَ عامل صيانة باكستاني أثناء الدوام الرسمي في إحدى مدارس الشرقية براءة طالب أول ابتدائي وفعلَ الفاحشة به مقابل 100 ريال أغراه بها.
تعود الحادثة إلى اكتشاف ولي أمر طالب من الطلبة وجود مبلغ مالي مع ابنه حصل عليه من أحد زملائه الأطفال،
وبمراجعة ولي الأمر للمدرسة وإبلاغ إدارتها، تعرفوا على مصدر المبلغ المالي الذي حصل عليه طالب واقتسمه مع زملائه الطلبة وأمر تحرُّش عامل الصيانة الجنسي به، المؤلم أنهم عندما تحدثوا مع الطالب المصدر الأساس للمال، المُعتدى على براءته تبيَّن أنه لا يعلم ماذا حدث له ولا يدرك حقيقة ما مُورس ضده من فاحشة من قِبل عامل الصيانة!! فكان الخبر الصدمة على والد الطالب المُعتدى عليه!!
كيف يُسمح لعمال الصيانة بممارسة عملهم أثناء الدوام الرسمي، وفي وجود الطلاب دون مراعاة أمور عدة منها سلامة الطلاب، الإزعاج المترتب عن وجودهم بمعداتهم وآلات عملهم، وأسباب لا نشك أن إدارة التعليم تجهلها، وبالتالي منحت شركات الصيانة حرية العمل خلال الدوام الرسمي، مما ترتب عليه حدوث ما وقع وما قد يقع مستقبلاً، فمن سيتحمّل مسؤولية العِرض المُنتهك للطالب، وقد قرأت أنهم في التحقيق حاولوا تحوير التهمة لمعلمي المدرسة!!!.
الطالب الطفل لا يعرف ما الذي حدث ولم يدرك الفعل الذي مُورس عليه!! هل يعني هذا أنه سينسى هتك عامل الصيانة لبراءته، وبالتالي لن يتوارى الحدث خلف اللا وعي واللا شعور!؟ الطب النفسي يقول خلاف ذلك! حيث لفعلة عامل الصيانة الشنيعة ردود أفعال لا بد أنها ستظهر مستقبلاً، وربما تجيء بنتائج عكسية وترسبات نفسية قد تستغرق سنوات حتى يُمكن معالجة الطفل منها، إذا ما انتبهنا أنها وقعت له في حرم تعليمي في وجود طاقمه، وليس في مكان آخر هو أخف في الأثر عليه وعلى ذهن لا بد سيربط بين بشاعة التصرف ضده، وبين حدوثه تحت سقف مبنى من مباني المؤسسة التربوية التعليمية!!
في قراءات لمستشاري الطب النفسي بشأن التحرش الجنسي وتعرض الأطفال له شددوا على أهمية وضرورة التأهيل النفسي لطفل تعرّض للاغتصاب والتحرش الجنسي، حيث إنه في العادة حينما يتعرض شخص ما لاغتصاب أو عنف يصاب بعُصَاب ما بعد الصدمة، ويتأثر علاجه بعدة عوامل، كالسن وطبيعة علاقة المُعتدى عليه بالشخص المعتدِي، والدعم الأسري الذي يجده الشخص من أسرته بعد العنف الذي حدث له، وفي حال الأطفال سيؤثر العنف على بناء شخصيتهم ونموهم وأسلوب تعاملهم مع الآخرين وتعاملاتهم المستقبلية، وبناء على ذلك لا بد أن يتعرض الطفل الذي ناله الاعتداء إلى تقييم شامل لمعرفة مدى تأثره، وبعد التقييم ودراسة الحالة نضع خطة علاجية شاملة وتأهيلية له ولأسرته، وبشكل عام يحتاج الطفل لدعم أسرته، ويتطلب ذلك أن يتعلم الطفل عدداً من المهارات التي من خلالها يستطيع التعامل مع الصدمة، كما يستطيع الدفاع عن نفسه كي يشعر بالأمان، فالإنسان بشكل عام إن لم يشعر بالأمن والأمان سيُصاب بالقلق والتوتر والعُصَاب.. مع الانتباه إلى أن التحرش الجنسي يُقصد به كل إثارة جنسية يتعرّض لها الطفل من آخرين سواء بالفعل أو القول، كالتلامس الجسدي معه، أو تعريضه لمشاهد (صور أو أفلام) جنسية، أو دفعه إلى ملامسة أعضاء المتحرش الجنسية، أو حتى ممارسة الجنس بشكله الكامل معه سواء في صورته الطبيعية المعروفة أو الشاذة.. وبالتالي فإن أهم مرحلة في علاج الطفل منها معاقبة الجاني والمتسببين في الجريمة حتى يستوعب الطفل أن الذي وقع عليه جرم شنيع، القانون لن يسكت عنه بجانب الابتعاد عن تعنيف الضحية تعنيفاُ يُولد لديه انتكاسة نفسية خصوصاً من البيت من الأسرة من الوالدين تحديداً.
وبالعودة إلى التحرش الذي وقع في حرم تعليمي يجعلنا نشير إلى أهمية الثقافة الجنسية للطفل أهمية تبدأ من المنزل وتمتد إلى المدرسة حيث إن غياب الثقافة الجنسية في البيت وفي المؤسسات التعليمية سبب من أسباب انتشار التحرش الجنسي في المجتمعات العربية، وفي مجتمعنا تحديداً تسبب فيه منظور “العيب والحرام” الذي قلَّما يكون في محله!
كون الطالب لا يعرف ما الذي حدثَ له أو ما مُورس ضده (كما قلت) لا يعني أنه سينسى الذي وقع، فقد ذكر استشاري الطب النفسي السعودي إبراهيم الخضير رواية عن رجل تُؤكد بقاء الفعل واحتمالية ظهوره على السطح في أي لحظة ظهوراً ربما ينتج عنه جريمة.
يقول الدكتور الخضير: مرّ عليّ في العيادة رجلٌ متقاعد يُعاني من اكتئاب وبعد عدة زيارات في العيادة، ذكر لي بأن هناك أمراً يُخفيه ولم يُخبر به أحداً، وذكرَ لي بأنه عندما كان في العاشرة أو حولها من العمر، قد اعتدى عليه جنسياً قريبٌ من أقاربه يكبره بحوالي ست سنوات، وأنه لم يذكر شيئاً من هذا الحدث لأي شخص، وظل يكبته في نفسه حتى باحَ به عليّ، وعندما سألته عما يُريد من ذكر هذه الحادثة قال بأنه يشعر بالغضب ويُفكّر في الانتقام من هذا الشخص الذي اعتدى عليه جنسياً عندما كان في العاشرة من العمر، وقد كانت هذه الحادثة قبل أكثر من خمسين عاماً، وقد تقاعد الرجل الذي ارتكب هذه الحادثة وأصبح شيخاً كبيراً، متقاعداً وأباً لعدد من الأولاد وكذلك جداً لعدد من الأحفاد، وقال هذا الشخص (المُعتدى عليه) بأنه لم ينس هذا الحادث طوال حياته، لكنه كان يكبت هذا الأمر داخل نفسه، ولم يُخبر أحداً من أقاربه عما فعله هذا القريب به.. وأخبرني بأنه يفكّر في أن يقوم بقتل هذا الرجل الذي اعتدى عليه قبل أكثر من خمسين عاماً، وهذا يدل على مدى التأثير النفسي السلبي الكبير الذي يُعاني منه الشخص الذي يتعرض لاعتداء جنسي! فهل تتدارك بيوتنا المشكلة قبل وقوعها، هل تنتبه مؤسساتنا التعليمية وتعيد مراجعة مناهجها التعليمية بما يتوافق ومستجدات الزمن بمحاسنه وسلبياته قبل انفجار القنبلة الموقوتة على من جهز لها ومن تعامى عنها!!؟؟
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443Twitter: @HudALMoajil