الحديث الآن عن أولويات الرئيس الأمريكي المنتخب وتوجهاته القادمة على المسرح العالمي. لقد ذكرت ذلك في مقالة لي مباشرة بعد انتخابه عام 2008م، والآن وبعد أربع سنوات فاز باراك أوباما بفترة ثانية وأخيرة ليتربع على كرسي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض،
ولقد ذكرت في تلكم المقالة التي نشرت في هذه الصحيفة أن أوباما “براجماتيكي” النزعة. وبالنسبة للحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية ومقاعد مجلسي الشيوخ والنواب فمن المؤكد أن أيدلوجية الحزب الجمهوري أوصلته إلى الهزيمة، على الرغم من توجه منافس الرئيس الأمريكي (رومني)، ولا بد من الإقرار أن النظام الديموقراطي الأمريكي أخذ في الترنح أمام ثقة المواطن الأمريكي. لقد قال بعض المؤيدين للحزب الجمهوري بمنطق السخرية والعقلية القبلية: “سوف نتحدى هذا الانتخاب ونطالب بإعادة حساب الأصوات في ولايتي أوهايو وفلوريدا”. القضايا إياها “كرة” يتقاذفها الحزبان الديمقراطي والجمهوري: المهاجرون غير الشرعيين، الرعاية الصحية، التأمين الاجتماعي، الضرائب، الإجهاض، وغيرها. ويعتبر فوز أوباما لفترة أخرى هزيمة نكراء للحزب الجمهوري “المتغطرس”. “ودائماً” نقول: ولكن أغلبية مجلس الشيوخ فاز بها الديموقراطيون 53% وفاز الجمهوريون بأغلبية مجلس النواب بنسبة 55%. ويقال تفقد شيئاً وتفوز بآخر.
ومن المتوقع أن يوظف الجمهوريون في الكونجرس “تاكتك” ما يعرف بـ”Filibuster” المتمثل في ضرورة الحصول على 60% عند التصويت على قانون أو قضية لعرقلة الحزب الآخر. ومن الأسئلة المطروحة: هل سوف ينصب الاهتمام على السياسة الداخلية لأمريكا؟، لأن ذلك يؤثر بطريقة أو أخرى في سياستها الخارجية، فيكون باعث الاهتمام بالسياسة الداخلية لأمريكا للتأثير المباشر وغير المباشر بالسياسة الخارجية، فلا بد من فهم ذلك ولا بد أن ينعكس على لغة الحوار سواء مع أمريكا أو غيرها من الدول، أي لا بد من مخاطبة الغير بما يفهمه ذلك الغير، تحديدا، يجب ألا يكون في لغتنا نشاز وألا نضرب على الوتر الحساس، أما إذا تخاطبنا معهم بعقلياتنا ومفاهيمنا فإن الاحتمال الأكبر ألا يفهمونها وسنصل وإياهم إلى طريق مسدود.
وإن كان من توجيه خطاب للرئيس أوباما فأقول: صحيح أيها الرئيس لقد وضع معظم مواطني الولايات المتحدة ثقتهم فيك لمعالجة قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية، وصحيح كذلك أن ما يتخذ من قرارات بشأن القضايا الدولية يمس بطريق مباشر وغير مباشر قضايا وطنك الداخلية، وأنت تعلم أن العالم تحول إلى قرية صغيرة، كما أنك تعلم أن لوطنك تحالفات مع الشرق والغرب وصداقات مع دول عريقة ولها هي الأخرى دورها في الشؤون العالمية، ولها وزنها وفاعلياتها الإيجابية، هذه الدول العربية منها والإسلامية، بتعاون من بلدك وبناء على علاقات يكون ديدنها الاحترام المتبادل، يمكن حل كثير من القضايا الدولية الشائكة. أيها الرئيس ضع يدك مع زعماء لهم وزنهم وأدوارهم المحلية والإقليمية والعالمية. وما يخص “التوتر” الذي يشوب العلاقات الأمريكية والعالم الإسلامي، الذي أشرت إليه في خطابك في جامعة القاهرة في 4 يونيو، 2009م، إن لديك الوقت الكافي في فترتك الرئاسية القادمة للتصدي له ومعالجته.
هنالك ملفات لابد من التعامل معها، قضايا عربية وإسلامية: الفلسطينية، الأفغانية، العراقية، السورية. وقضايا تلكم الدول تحتاج إلى تعاون مع دول لها دورها ووزنها السياسي والحضاري والديموغرافي: المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والجمهورية التركية، ولقد أثبتت الأيام أن مواقف أمثال هذه الدول تتمثل في المناصرة والتأييد للقضايا العادلة وهي كذلك دول محبة للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم.
اسمح لي أيها الرئيس أن أقتبس جملاً من خطابك التاريخي في القاهرة، لقد ذكرت أن الاستعمار في العصر الحديث قد ساهم: “في تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص، كما ساهم في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة”.
أيها الرئيس لتضع الولايات المتحدة يدها مع دول العراقة والحضارة لحل معضلات دولية حال دون حلها دول مشاكسة ومراوغة ذات أهداف عدوانية توسعية.
لقد قلت في خطابك ما نصه: “إنه يجب علينا من أجل المضي قدماً أن نعبر لبعضنا البعض بصراحة عما هو في قلوبنا وعما هو لا يُقال في كثير من الأحيان إلا من وراء الأبواب المغلقة. كما يجب أن يتم بذل جهود مستديمة للاستماع إلى بعضنا البعض، وللتعلم من بعضنا البعض والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة. وينص القرآن الكريم على ما يلي: {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (70) سورة الأحزاب. فلتكن فترتك القادمة أيها الرئيس تفعيلاً لما تفوهت به في بداية فترتك الأولى.
alshaikhaziz@gmail.com