* ما الذي انتهت إليه الحملة الإسرائيلية العسكرية الشرسة على قطاع غزة مؤخراً..؟ بعد أن خلّفت عشرات القتلى، ومئات المصابين، ودمرت المنازل والمؤسسات والمرافق..؟!
* باختصار شديد: انتهت إلى هدنة بين جيش دولة عرمرم، وسلطة فلسطينية محالة أو منشقة عن الدولة الفلسطينية في رام الله. هدنة مؤقتة؛ لكي يمارس بعض المناكفين لعبة جديدة من قطاع غزة، أو من سيناء المصرية، وإطلاق صواريخ كرتونية على أراض فضاء في الأرض المحتلة، فتعاود الآلة العسكرية الصهيونية المنظمة؛ العدوان، وتقتل الأطفال والشيوخ، وتدمّر الأخضر واليابس، ثم يتحرك المناضلون من غرفهم في فنادق القاهرة والخرطوم ولندن وغيرها، ليبوسوا الأيدي من أجل هدنة جديدة، وإذا جاءت هذه الهدنة، تحولت بقدرة قادر، إلى نصر عظيم، وهزيمة للعدو الصهيوني، الذي لن تقوم له قائمة بعد هذه الهدنة..!!
* إلى متى والشعب الفلسطيني المسحوق في جزئيه الشرقي والغربي، يخضع لهذه اللعب، ويدفع ثمن البيع والشراء بقضيته، من قبل منظماته وساسته، قبل غيرهم من المنتهزين من عرب وعجم..؟!
* فتحنا أعيننا على الاحتلال والعدوان والتهجير، فلسطين والقدس.. وكبرنا وشبنا والمتصدرون لهذه القضية من الفلسطينيين، هم بذات العقلية، منذ أحمد الشقيري، ومروراً بعرفات، وحتى عباس ومشعل وهنية.. كل يغني على ليلاه العربية والإيرانية والتجارية.. عانى الشعب الفلسطيني في مهاجره، وفيما خلص له من أرضه، من أهواء قادته وتقلباتهم ذات اليمين وذات الشمال.. قوميون مرة، وشيوعيون مرة، وبعثيون مرة، وليبراليون مرة، ثم خونجية في آخر المطاف، يظنون أنهم هم من يرمي الصهاينة المعتدين في البحر.. ذلك الشعار الذي ورثوه من أحمد سعيد وصوت العرب.
* إذا تحرش بالحدود الإسرائيلية مندسون وجواسيس لها من بعض الفلسطينيين أنفسهم -ربما بطلب منها- قامت قومة العدوان، وارتفعت أصوات مناضلي الفنادق خمس نجوم، تُقرّع العواصم العربية، وتلوم الأمة العربية، وتتجاوز حتى تطلق الاتهامات بالغدر والخيانة للقضية الفلسطينية، والعمالة للغرب، وفي اليوم التالي؛ تعلن حكومتهم المقالة في غزة، عن القبض على سبعة من الفلسطينيين جواسيس للعدو الصهيوني، ثم تعدمهم في ميدان عام..!
* نسي هؤلاء المناضلون الوارثون شعارات الماضي وعنترياته، ماذا فعلت منظماتهم في عواصم عربية كثيرة،.. في بيروت.. حتى أخرجت بقوة دولية، وفي الكويت؛ يوم وقفت مع الغازي والمحتل، وفي تونس وصنعاء وبنغازي وغيرها.. ومع كل ذلك، ظلّت هذه العواصم وكافة العواصم العربية، على وفائها، وعلى إيمانها بأن هذه القضية هي قضية كل العرب، وأنها قضية مصيرية، وظل الدعم السياسي والمالي قائماً ولم ينقطع.. كان الأجدر بهؤلاء المناضلين الإعلاميين الجدد، أن يتحلوا بالحياء، وأن يعوا؛ أنهم هم الذين رضوا بالصلح مع إسرائيل، وتبادلوا معها وثائق ومعاهدات، وليس الرياض، ولا الكويت، ولا الدوحة، وأن يقدروا حجم الضرر الذي تتسبب فيه تصرفات صبيانية بتدبير منهم، تحت ظل هالة من (الادعاءات الإيرانية)، و(العنتريات النصرية)، بين وقت وآخر، وأن إحراج مصر والأردن وسوريا ولبنان باستخدام حدودها مع العدو الصهيوني، في معارك غير محسوبة النتائج، لن يخدم القضية الأم، لا اليوم ولا بعد اليوم، خاصة أن الفلسطينيين؛ هم الذين انحازوا إلى خيار السلام، واختاروا طريق اللا حرب، ووضعوا أيديهم في أيدي عدوهم من بعد كامب ديفيد.
* كيف يثق العرب في هذه الواجهات السياسية التي تتصدر عن الفلسطينيين من الفنادق والشاليهات، وهي ترتمي في أحضان طهران، وترتهن لشعارات منظمات متأسلمة، لا تسلم من شبهة الصلة بالإرهاب، وتوغل في توسيع الشرخ بين شقي الدولة الفلسطينية، فهناك دولة في رام الله، وأخرى في غزة، وثالثة ربما تظهر في شمالي سيناء..؟!
* أمر محير.. كان ينبغي أن يتصدى له عقلاء الشعب الفلسطيني أنفسهم، وأن يتساءلوا بكل شفافية: ما حجم عرب إسرائيل اليوم..؟ كم عددهم..؟ لماذا اختاروا الجنسية الإسرائيلية، واندمجوا في شعب إسرائيل، وأصبح لهم ممثلون في الكنيست الإسرائيلي..؟
* قال لي أحدهم ذات يوم في مدينة عربية محاذية للحدود مع إسرائيل، وهو فلسطيني بجنسية إسرائيلية: حياتنا مستقرة، ولنا تمثيل سياسي في الدولة، وإذا ولد مولود لنا: يُفتح له حساب من قبل الدولة في البنك بعشرة آلاف دولار، وإذا وصل سن الدراسة؛ وجد له المقعد المناسب في المدرسة..!!
* هذا ليس إعجاباً بالصهاينة، ولا ثناءً عليهم، ولكنه واقع لا مفر منه، وحقيقة يعرفها الفلسطينيون قبل غيرهم.
* أين يكمن حل هذه القضية؟ ومتى يا ترى..؟
* من المُسَلم به، أن الظروف تغيرت عن ذي قبل، فلا الفلسطينيين قادرون على الحرب ورمي الإسرائيليين في البحر، ولا الصهاينة قادرون على إزالة أهل الأرض من أرضهم ورميهم في البر.. في تيه سيناء مثلاً..! ولا حتى العرب يحتملون حرباً جديدة، ولا المجتمع الدولي يقبل بحرب تغير الخارطة في المنطقة الحساسة هذه.. وبما أن الفلسطينيين رضوا بالصلح مع إسرائيل، واختاروا طريق السلام. وبما أنهم هم أهل غزة والضفة، ويمثلون نسبة كبيرة من سكان إسرائيل الذين يحملون جنسيتها، فليس من حل جذري لهذه القضية في المستقبل؛ إلا بدخول الفلسطينيين في دولة فدرالية مع عدوتهم، تكون لهم فيها الغلبة مع الأيام، في ظل النموذج الديمقراطي المطبق في الدولة الصهيونية، الذي ينبغي أن لا ننكره لأننا نختلف مع عدونا.. هذا إذا قبل بهم الكيان الصهيوني، وسار على طريق السلام، وطبق وطبقوا معه بنوده كاملة دون نقصان.
H.salmi@al-jazirah.com.saalsalmih@ymail.com