الصغار يركضون وراء الكرة، تعلو فتسقط خارج السور..
يتعجّبون وفي وجوههم أسئلة: من يخرج للشارع ليعيدها..؟
فكرة الخروج للشارع ليست مطمْئنِة لهم، كدَّرها صوت عربات تمرق كما أزيز الطائرات، ودويها..
«هـا هناك مفحِّطون سيغتالوننا»..!، أو «هناك سُرّاق سيختطفوننا»..!!
آباؤهم كانوا يلعبون باطمئنان..، يذرعون الشارع طولاً وعرضاً لأيّ حاجة، يلتقطون كراتهم حال مروقها ارتفاع أسوارهم..،
أما أجدادهم، فقد كان الشارع ملعبهم..,..
أما هؤلاء الصغار فليس لديهم طمأنينة للشارع.. مذ وعَوْا.., والشارع مصدر خوفهم، وتوجُّسهم.., كذلك هم يفتقدون الطمأنينة للبشر المارِّين فيه..!!
تبدّلت مفاهيم الصغار عن الشارع بين الجد، والأب، والابن..؟ ثلاثة أجيال، تراض بها التباين، وتسارعت بها مركبة التبدُّل.., لأنّ أخلاق غالبية الناس تبدّلت، وسلوكهم تهافت..!
وكل مصدر لارتباط الصغير بخارج محضنه « أُسرته»، أصبح وحوله دائرة حمراء..,
لماذا..؟
ألا يستدعي الأمر إعادة النظر في سلوك الأفراد العام.., والعودة إلى الكثير من مصادر التنشئة، والجوار، ومفاهيم التعايش، وقيمة الأمن التبادلية بين الفرد, والآخر..؟
إنّ مسؤولية الأمن لا تقف عند حدود الرجال المرتدين للبزّات العسكرية، أو ذات الشّعار الأمني عند المداخل, والمخارج لمؤسسات المجتمع، بل هي قضية مسؤولية جمعية، تتأسَّس في قيمة السلام النفسي، ومن ثم أن يكون الواحد للآخر برداً عليه, كما النار التي كانت برداً، وسلاماً على إبراهيم عليه السلام..
تركت صغار الصديقات وهم يتهامسون: كيف سنلعب والكرة خارج السور..؟!
وخرجت نحو عربتي، وأنا أتلفّت لجوانب الشارع، أستلهم مصادر الخوف فيه..،
قبل أن يلتهمني الطريق..
كدت أن أرتطم بجدار، أو شجرة، إذ تخطّتني عربتان في سباق حميم كادتا أن تهلكا..!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855