الناس تجتمع عند حلول الفرحة، وعند نزول المصيبة، وبينهما يهدرون الزمن..ويفككون الروابط, وينسون الوجوه..
ويجهلون بعضهم الآخر، بكل جوانب الجهل..
في زمن الاتصال السريع, والتقنية الخارقة، شُغل الناس بأنفسهم..!
ومع ذلك جهلوها كذلك..!!
كثيرا ما يكون السؤال: هل يعرف الإنسان المعاصر نفسه..؟ فضلا عن الآخر..؟
والإجابة حين تكون موجبة، فإنها موهِمة، في ضوء تسارع وتعدد روافد معارفه, واتساع نطاق تجاربه، وزيادة خبراته التي من المتوقع أنها في جملتها خير رافد لعلوم،ومعارف تمكنه من معرفة نفسه.. لكنها ليست إجابة شفيفة، أو صادقة تماما..!
والإجابة حين تكون سالبة، فهي الأكثر شفافية، ومصداقية، في ضوء أن ما اتسعَ، لا يُمَكِّنُ من الحصر، لإذ كلما زادت، وتشعبت، وامتدت معارف الإنسان، كلما عجز عن الاقتراب من نفسه، على اعتبار أن لا دقيق من المعرفة يتطابق معها..!
ونذهب لحقيقة أن الإنسان في مجموعة الناس لا يعرف نفسه، والدليل حاجته المتلاحقة لشخص آخر يعطيه الخطط، والبرامج، ويعلمه التقنية, وأساليب التواصل مع نفسه, ويرفده بالجمل والعبارات المحفزة، الراسمة السبل إليها, مما وسع في نطاق المرشدين النفسيين، والموجهين الاجتماعيين، والمختصين في تطوير الذات، ومعرفة ما في الذات من خير الصفات !! لتحيا في وئام مع نفسها، ومع غيرها..!! من أولئك العاملين على تقريب المرء من نفسه، وما يتم على أيديهم من الفتوحات العظيمة التي يتوصلون معه بها للغور في ذاته.., ومن ثم في إعادة تكيفه مع الآخر..!
فلئن كان الإنسان في الناس بعيدا عن نفسه، ولا يعرف نفسه إلا بوسيط..
فإنه بالتالي منقطع عن الناس, ويجهلهم بدونه..
لقد تفككت الروابط لأن الفرد لم يعد يعرف نفسه، ويحتاج لوقت ليعرف أيضا مدى حاجته لغيره..
ألا تجدون الناس قد غرقت في أجهزتها، وخفاياها، ومفرزاتها..؟ وتقوقعت على ما تقدمه لها..؟
من ضمن ذلك خبر موت تنقله إليهم، فتستفز شجونهم فيهرولون..
أو فرح فتثير فضولهم فيتراكضون إليه..
عند ذلك يلتقون في وقت المصيبة، ووقت الاحتفال..!!
وبقية الوقت يتباعدون، إلا بوسائط الاتصال، ربما بعبارة في يوم عيد, أو عام جديد..
والسلام على الروابط الأسرية،والقربى،والصداقة..
في ضوء الغياب الذي ضربته الحياة العصرية على علاقات الناس وتعارفها, بما فيه مع النفس, والذات.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855