|
الجزيرة - د. حسن الشقطي:
ظهر الفرانشيز أو ما يسمى بحقوق الامتياز بشكل تجاري في عام 1871م في الولايات المتحدة الأمريكية وظهر بالتحديد كأسلوب جديد ومبتكر لبيع وتسويق ماكينات سنجر للخياطة .. وهو أسلوب سَهل عملية التسويق في ظل غياب وسائل الاتصالات آنذاك .. ثم بدأ يستخدم نفس الأسلوب في تسويق منتجات المشروبات .. إلا إنه حاليا، أصبح يستخدم كأسلوب رئيسي للبيع والتسويق لحوالي (75) صناعة تقريبا .. وخاصة للصناعات التي تمتلك حقوق إنتاج أو تراخيص بتوليفات أو طرق إنتاجية أو تصميمات خاصة، أو ما يمكن أن نسميها بصناعات الأسرار..وأقرب مثال حقوق امتياز إنتاج المشروبات الغازية للأسماء العالمية مثل كالكولا وبيبسي وأسماء المطاعم العالمية مثل ماكدونالدز وكنتاكي، فتراخيصها غزت العالم العربي، بذات الشكل والملامح التي تعمل بها في دولها الأصلية. الآن أصبح الفرانشيز أحد بوابات النجاح للمنتجات الوطنية في كافة الدول، حيث أن الشركات المحلية تسعى لاكتساب الفرانشيز أحيانا لمجرد اكتساب الثقة لدى العملاء، رغم أنها أحيانا تقدم منتجاتها الوطنية بذات الطريقة والكفاءة دونما تغيير، مثل ما يحدث في كثير من مكاتب الاستشارات والتدريب والمستشفيات ومراكز التجميل والاتصالات والمعلومات وغيرها، والتي تدفع ثمنا لحقوق امتياز لمجرد اكتساب الاسم التجاري وبيع منتجاتها تحت شعاره. فما الذي جعل الفرانشيز يزداد وينتشر بهذا الأسلوب؟ وهل يمتلك الفرانشيز فعليا فرصا سانحة تحقق الفائدة والمنفعة للمستثمرين وللسوق المحلي ؟ إن الأمر الملفت أن الفرانشيز بالدول العربية عموما وفي كثير من الصناعات لم يعد فرانشيز حقيقيا؛ بل إن المُصنع المحلي يدفع مقابل للحصول على الشعار، دونما تغيير في منتجاته أو توليفاته أو تسويقه، وقد يكون التغيير قاصرا على الشكل والمظهر أكثر من العمق والطريقة الإنتاجية .. فلماذا وصل بعض المنتجون إلى هذا الحد ؟ أكثر من ذلك، فإنه إذا كانت الدول العربية كمستوردة للفرانشيز، إلا إن بعضها تطورت أسواقها وبعض أسمائها التجارية، حتى أصبحت كثير منها (نفسها) جاهزة لتصدير حقوق فرانشيز، ومن أبرز هذه الدول السعودية ، فمتى وكيف يمكن دعم التوجهات التصديرية للفرانشيز للأسماء التجارية الناجحة ؟
انتشار الفرانشيز .. الفوائد والمنافع
صناعات الفرانشيز أو حقوق الامتياز هي حقوق حقيقية وتعمل كما تنص عقودها في كثير من الصناعات، من أشهرها صناعات صناعة الوجبات السريعة، والمشروبات، والسيارات، والكمبيوتر، والملابس والمعدات الرياضية، وقطع الغيار، والأدوية، وخدمات الإنترنت، وغيرها .. وكثير من هذه الصناعات تحقق نجاحات باهرة في الدول الممنوحة بالوطن العربي، وجميعنا نرى مدى النجاح الذي تحققه المشروبات الغازية والمطاعم السريعة، حتى أصبحت جزء أصيل من حياة المواطنين. فنتيجة للفجوة التكنولوجية بين الدول المتقدمة والعالم العربي، فإن الدول العربية عموما تعتبر من الدول الممنوحة في حقوق الامتياز، أي أنها تستفيد من حقوق فرانشيز دولية في بناء مشاريع محلية تحت أسماء عالمية. وأصبح المستثمرين العرب يسعون بشتى الطرق للبحث عن علامات تجارية ناجحة وجلبها إلى بلدانهم، مستفيدين من بعض المنافع، أهمها : (1) الاستفادة من اسم العلامة الدولية وشهرتها ونجاحها ، بشكل يكسبهم ثقة العملاء بسهولة وخاصة في الدول التي يكثر فيها سفر المواطنين بالخارج. (2) تجنب الخسائر في الإقبال على تجربة منتج جديد لأول، فمنتجات الفرانشيز هي منتجات مجربة واكتسبت شهرتها مسبقا. (3) الاستفادة من الدعم الفني والإداري والتسويقي، الذي يقدمه مانح الفرانشيز. (3) الاستفادة من التدريب النوعي والمستمر الذي يقدمه المانح. (4) يُسهل عليهم الثقة لدى المؤسسات الرسمية، ويسهل عليهم الحصول على التمويل في كثير من الأحيان. (5) يستفيد الممنوح بالقدرات التنافسية للعلامة الأم، بما يعزله نسبيا عن المنافسة بالسوق المحلي.
الفرانشيز بالمملكة
تنتشر حقوق الامتياز بالمملكة في قطاعات بعينها، على رأسها المطاعم الغذائية والفنادق، والتي تمثل ما يزيد عن نصف الفرانشيز بالسعودية، وتستحوذ المدن الكبرى، وخاصة بالرياض على النسبة الأكبر من بين شركات الفرانشيز .. وتشير بعض التقارير إلى أن عدد الشركات الممنوحة لحقوق امتياز بالمملكة يصل إلى حوالي 200 شركة، وأن عدد الأنشطة المستخدمة للفرانشيز يصل إلى حوالي 26 نشاط.
الفرانشيز .. من صناعات الأسرار إلى الإيهام
رغم الفرص التجارية الضخمة والهائلة التي تتيحها حقوق الامتياز للشركات المحلية، وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، والتي يمكن بسهولة أن تنجح في رحاب حماية الأسماء التجارية الدولية الناجحة،إلا إنه قد تحدث انحرافات أحيانا عن الهدف الأساسي في بروز ظواهر يختلط فيها الفرانشيز بالعقود والاتفاقيات البروتوكولية مع الشركات العالمية ذات الأسماء والشعارات الدولية الموثوق فيها .. ولعل القطاعات الخدمية، مثل الصحة والتدريب والاستشارات والقانون والإعلان وخدمات المال والصيانة والسياحة، وغيرها تبدو خير مثال لإمكانية حدوث الغش والخداع تحت شعار حقوق الامتياز. فالصناعات الإنتاجية تقل فيها حالات الغش التجاري باستخدام الأسماء العالمية، نظرا لأن حقوق الامتياز تكون فيها واضحة، ويستخدم المنتج المحلي بالفعل توليفات أو طرق إنتاجية هي نفسها التي تستخدمها الشركة الأم صاحبة حق الامتياز .. إلا إنه في بعض القطاعات الخدمية لا تبدو الصورة واضحة تماما .. فكثير من مكاتب المهن الحرة على سبيل المثال تستخدم شعارات وأسماء تجارية لشركات عالمية معروفة، وبعضها تستخدمها جنبا إلى جنب أسمائها المحلية، وبعضها يشير إلى وجود اتفاقيات بروتوكولية مع الشركة الأجنبية (صاحبة الامتياز)، في حين أن البعض الآخر لا يشير إلى شيء، بل يسوق لنفسه باسم الشركة الأم الدولية، وبعلاماتها التجارية. إن كثير من المنتجين العرب عموما يختارون أسماء وعلامات تجارية مختلطة أو تتشابه كثيرا مع أسماء وعلامات دولية معروفة، ويتخذون من نفس شعاراتها (إلا بفروقات بسيطة لا يميزها المستهلك العادي) .. ومثلما يوجد تقليد في المنتجات، فإنه يوجد تقليد في استخدام الأسماء التجارية بشكل يتسبب في نوع من الخداع للمستهلك الذي يشتري السلعة أو الخدمة متوهما بأنها تنتمي لعلامة تجارية دولية .. ولكن في الحقيقة هي منتج محلي، وقد يكون على كفاءة عالية من الجودة، ولكن الخداع يقوم على الاعتماد على الإيهام بالانتماء إلى علامة تجارية دولية شهيرة لتسهيل تسويق خدمات المنتج او الخدمة بسهولة واكتساب ثقة العملاء، دونما تفكيرهم في السؤال عن المنتج/الخدمة الجديدة ومحاولة تجربتها لاكتشاف جودتها أولا. إن الإيهام أو التشبه بالعلامات العالمية هو نوع من قفز المنتجين بالمنتجات (وخاصة الخدمات) على مرحلة تجربة المستهلكين لخدماتهم الجديدة، وجعلها (بتسويقها تحت شعار العلامات الدولية) على أنها منتات قديمة ونالت النجاح ولا تحتاج إلى تجربة. إن هذا الأمر يتطلب اهتماما خاصا من الجهات المعنية بحقوق المستهلكين، لحمايتهم من الوقوع في شرك إيهام العلامة الدولية .. فهل مجرد توقيع اتفاق بروتوكولي بين أحد مكاتب المهن الحرة المحلية وبين شركة عالمية تعطي الأول الحق في التسويق بالاسم والعلامة الدولية الشهيرة ؟ وكيف يمكن التفرقة بين وضع الشعار الدولي الناتج عن اتفاق بروتوكولي وبين فرع الشركة الدولية وبين اكتساب حقوق الفرانشيز؟ وكيف يمكن تقنين طريقة واستخدام العلامات الدولية في إعلانات الشركات المحلية حتى لا تكون محلا للخداع والإيهام للمستهلكين بأمور غير حقيقية ؟