تاريخ العراق القديم يبشر بحضارات عريقة تركت في وادي الرافدين آثاراً من نورها دامت لأكثر من سبعة قرون، هذا البلد المعطاء العميق في عطائه للإنسانية جمعاء، فمن ترابه نبتت حضارة العدالة بمسلة حمورابي الشهيرة ومن ثقافته أوجدت الحروف المسمارية والتي نشرت أفكار المجتمع السومري لكل شعوب الأرض آنذاك وتشرفت أرض أور بولادة الخليل إبراهيم أبو الأنبياء عام 2000 قبل الميلاد لتنتشر مع نور الشمس حضارة سومر ولتعم العالم بأسره وبفرسان أهل العراق انتشر الإسلام في كل آسيا وإفريقيا حتى أدرك التراب الصيني. بغداد دار السلام وعاصمة الرشيد في عهدها الذهبي انبثقت منها حضارة العباسيين فأبهرت شارلمان ملك فرنسا باختراعاتها العلمية وحياة أهلها الاجتماعية المتقدمة ورخاء أرضها وشعبها حتى إذا أمطرت أي غيمة في السماء كان خراجها لبيت المسلمين في بغداد. كل هذا الزخم الحضاري النادر ضاع وأصبحت دار الرشيد خرابة كبيرة هجرها أهلها خشية من الأذى على حياتهم وكرامتهم الإنسانية! وهل من الواجب القومي والإنساني الذي يربط العرب كل العرب بربيعهم الحارق وشتائهم الدافئ ترك الشعب العراقي وريث الحضارات والقيم والمواقف القومية في أزمات العرب العديدة والتي كان له السيف والذهب بذله رخيصا من أجل العروبة ومجدها وكرامتها وحماية منافذها من هجمات الطامعين والغزاة السالبين لثروات الأمة ومستقبلها السياسي فمهما عظمت وتعقدت الخلافات السياسية مع من يدير القرار السياسي العراقي في دهاليزه الداخلية والخارجية لا يستحق منا نحن العرب أجمعين ترك هذا الشعب الشجاع الأصيل وحيدا حائرا يتلقى اللطمات من أعدائه وطالبي الثأر من قوة مواقفه الوطنية من أجل صون شرف الأمة العربية وكرامتها ولا نتركه وحيدا أيضاً تستقطع ثرواته جزاء مواقف وقرارات خاطئة غير مسؤولة لقيادات فرضت نفسها على إرادته بالقوة والتآمر والسطوة، وكل العرب أيضاً جيران العراق إقليميا وأشقاء الدم يدركون عزل إرادة الشعب العراقي عن مسؤولية تلك القرارات العنترية المجنونة والتي عمت بشرورها الجار والشقيق!
بعد هذه السنوات العشر العجاف ومعها ثلاثة عقود ذاق معها الشعب العراقي الشقيق صنوف القهر والحرمان وضياع المال والدم والكرامة لا يمكن أن يترك وحيداً تتلاعبه خدع ودهاء المصالح الإقليمية والدولية ولابد من وقفة أخوية صادقة تشد من أزره وتنقله بأمان إلى مرحلة بناء دولته بوحدة قواه السياسية المشتركة وبثقة تامة من أجل هدف واحد يعتمد على كل أبناء شعب العراق باختلاف أعراقه وجذوره وبصفة واحدة هي المواطنة العراقية وبإرادة عربية صادقة لتنتشله من أزمته وتدعم مسيرته الوطنية من أجل بناء عراق جديد حر مستقل يكسر قيود الفصل السابع المكبل لقراره السياسي والاقتصادي وكل هذا سهل المنال بتعاضد أشقائه العرب مع جهوده الذاتية وتمنحه مساعداتها الأخوية بتسهيل وصول الخدمات العامة لشعبه الصابر فالربط الكهربائي العربي ليس عسيراً أو محرماً على شعب العراق الأصيل بعروبته أصلاً ومواقفاً، والخدمات الصحية والتعليمية تقديمها مساهمة أخوية لشقيق يستحق كل «الفزعة» من أشقائه وهو الذي لم يتأخر على طول فترات تاريخية لنجدة أشقائه العرب، ومن جهة ثانية ندعو كل العراقيين الخيارى والغيارى أن يحافظوا على إرث الحضارات المتعاقبة بامتدادها وبأمان للأجيال القادمة معتمدين على الله أولاً ومن ثم على وحدتهم الوطنية وسلامة واستقلال وطنهم الغالي الذي منحه الله سبحانه كل الخير على أرضه وتحت ترابه من ثروات تحيل شعب العراق لأغنى بقعة على الكرة الأرضية ومع هذا كله لابد من وضوح سياسته الخارجية وكسب ثقة جيرانه وأشقائه وأن يكون رسول سلام ومحبة تيمنا بتعاليم أبو الأنبياء وجد العراقيين إبراهيم عليه السلام!
إنها دعوة صادقة للسعي للم الشمل العربي ووضعه في سكته الصحيحة بعد أن محت آثار طرقه الوحدوية رياح ما يسمى بربيعه الحارقة ومعها ضاع قرارنا القومي العربي الموحد وغرقنا في الأمواج العاتية لطوفان الفوضى الخلاقة.
وإني على ثقة تامة أن أي يد تمتد بالخير والمحبة لشعب العراق الأصيل تتلاقفها ثلاثون مليون يد عراقية بشوق لقاء الشقيق العائد بعد غياب طويل!!
عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية