لا أعلم إن كان ظمئي لقصيدة شاردة من رحم غيمة مسافرة فوق البيد التي عشقها هذا الشاعر الفذ أو قرع تغريبة القوافل والمطر أو ثغاء النسور التي وشمت دمه الطفل فعلق مصابيح الشعر كربابة البدوي فوق عمود خيمته الضاربة في الصحراء هي من دعاني لاكتب لسيد البيد محمد الثبيتي هذه التحية ، أو لعله نادي الطائف الأدبي الذي كرم ذكراه بجائزة تحمل اسمه في لفتة وفاء لابن الطائف.. ابن القصيدة والحياة التي لم تمت بوفاته بل سرى دمها في شرايين كلماته التي بقينا ننشدها كنشيد وطني للشعر والذكرى.

محمد الثبيتي كيف لك أن تضرم حرائقك في دمنا ثم تستأذن في الرحيل؟ كيف لك أن تغرس صوتك الرخيم في أسماعنا ناقوسا من الشعر والذكرى ولا ترحم فجيعتنا بغيابك؟

قبل غيابك بأيام كنت التقيتك في اليمن السعيد التقيتك من أمام المنبر الذي أتحفت من خلفه الحاضرين بالشعر وبالقصائد التي جاءت من زمن لا يتكرر اصطفاك شاعرا ملأك الشعر.. التقيتك في بهو الفندق وكنت استدل عليك من دخان سجائرك الذي يملأ المكان، أو يقودني صمت رجل لا ينطق الا بالشعر والقليل القليل من الكلام.

كنت تأسر من حولك ومن يستمع لك وكنا نستسلم لسحرك، وفي لقائي التلفزيوني بك وهو آخر لقاء معك قبل رحيلك هربت ما استطعت في دقائقه المعدودة الى القصيدة التي كنت تقرأها حيث لا يضاهيك احد لأني وجدت فيها ملاذك حيث لا يغريك الحديث عن أي شيء غير الشعر الذي يحرر حواسك ويطلق قيدك.

يا كاهن الحي أين الربابة والقهوة المستطابة؟ ودم الزعفران.. عطر الهال وشموع مساء قديم وبكاء ربابة أثقلها الشعر والحزن.. أين سيدة القصيدة كنت صغتها نرجسا جبليا وريحانة وشرنقة فرت من قبضة العتمة إلى مراعي الضوء.. أين وأين؟؟!!

أين النخيل الخيول الحقول..البخور الفصول.. القوافل.. قلوب المحار.. الصهيل البريق.. الوعود العواصف والمستحيل؟!

يا سيد البيد.. للشعر وحشة.. مواويل الليالي.. حزن الصحاري ووجه المدينة.. وجع القصيدة.. أنت.. أنت لك مواسم الشوق.. صرير الريح.. جنون الزمان وزوادة من ذكريات..لغة الرمل انت..أغنية الماء.. شغف الضوء ورائحة الليل والأقحوان.

من آخر البحر للثبيتي

يا امرأة

بيننا برزخ من جنون

وسهد تشرب ماء العيون

وحزن يسد فضاء الرئة

يا امرأة

بيننا عاذل لا يرى

وعين مجافية للكرى

وليل قناديله مطفأة

يا امرأة.