لا يفسد نصف الثمرة ويبقى النصف الآخر صالحا، هذه قاعدة حتمية في الطبيعة. التعليقات في الإعلام الأجنبي عن الخدمة الإلكترونية الجديدة للجوازات في المطارات السعودية ذكرتني بطرفة نجدية قديمة.نبدأ بالخدمة الإلكترونية أولا. ورد في بعض وسائل الإعلام الخارجية أن جوازات المعابر السعودية تزود أولياء أمور النساء برسائل مجانية على هواتفهم المحمولة، تحيطهم علما بتحركات إناثهم ذهابا وإيابا عبر الموانئ الدولية، وهي نفس الخدمة التي تقدمها وسائل الإعلام عادة لكبار الشخصيات. الفرق هو أن الشخصيات الكبيرة يسرها التمتع بذلك، وقد تكون الخدمة بحد ذاتها مفيدة لمن تربطهم مصالح وظيفية أو اقتصادية أو اجتماعية بهذه الشخصيات، أما رصد الحركات التطوعي للمرأة فليس له لزوم من الأساس. ولي الأمر الذي تستطيع أنثاه المغادرة والعودة سبق له أن منحها إذنا رسميا بذلك، ويعرف متى غادرت ومتى تعود. قد يكون في الأمر محاولة عتب تحملها الرسالة له، بمعنى لماذا هذا التساهل اتجاه الأعراف والتقاليد جزاك الله خيراً.
الآن جاء دور الطرفة النجدية القديمة. يقال إن أحد الظرفاء الأذكياء الذي يتظاهر بالسذاجة وخفة العقل تهربا من أن يعاقب على سلاطة لسانه، شاهد مع الناس بعد صلاة الجمعة إنزال حد الفاحشة بامرأة، فسأل عن المكان الذي سوف ينزل به الحد على الرجل الفاعل. عندما لم يعثر على جواب تنحنح قائلا: اللهم احفظنا، لابد أن هذه المرأة مارست الفاحشة مع نفسها. ذلك الرجل المتساذج أراد أن يقول للناس من حوله، أيها الناس ابحثوا في مسائل الفساد عن الرجل أولا، فهو المتسبب الأول.
المجتمع السعودي الحديث يتعايش مع حالة رهاب جمعي شامل تجاه الأنثى، من مدى صمودها الأخلاقي والتزامها بمواثيق العقيدة الدينية والتربية الأسرية وسمو النفس الشخصي عن الانزلاق إلى الرذيلة كل ما ابتعدت عن الرقابة. لابد لهذا المجتمع الذكوري المصاب بالرهاب الجنسي وبالرعب القاتل من التفسخ الأنثوي، أن يبدأ بنفسه أولا، أي بالقسم الذكوري من المجتمع. كل الدراسات الاجتماعية، وليس فقط بعضها تأكد أن انزلاق المجتمعات إلى المخدرات والتفسخ الأخلاقي واللهاث وراء الإشباع الغرائزي، أن كل هذه الرذائل يبدأها الرجال أولا. الرجل أقدر من المرأة على كسب المال، وحريته في الحركة غير محدودة ولا مراقبة، وعقليته مبرمجة غريزيا على اقتناص الفرص والاندفاع نحوها أكثر من المرأة. الرجال عموما، بصرف النظر عن زيادة أو نقص مظاهر التقوى فيهم، لا يستعذبون من الأحاديث شيئا أكثر مما يدور حول الجنس والسياحة واللعب مع بنات الهوى. الرجال هم أول من يبدأ في تناول المخدرات وشرائها ثم إحضارها للبيوت. الذكور هم الغادون الرائحون بين مراكز الفسق والرذيلة في العالم، وهم الذي يبذرون الأموال عليها ويبخلون بها على بيوتهم، وهم الذين يبدأون المسيرة في دروب التيه والضياع.
الرجل بيده المال ويمتلك كامل الحرية في صرفه كيف يشاء، وهو الذي يمسك بعجلة قيادة المجتمع ويستطيع توجيهها نحو الصلاح والتربية الحسنة والثقة المتبادلة، وإن شاء عكس الاتجاه. إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه بمن حوله، وإذا حسن فعله حسن ظنه بهم. لا ينهش الشك في أخلاق أقرب الناس إلا في القلوب الفاسدة المفسدة التي تخشى أن يصل القبح الشخصي إلى أهل البيت والأقارب. هذا هو الحال وهذا هو الواقع، وبناء عليه يصبح من المفترض تعميم المراقبة الأخلاقية على الذكور والإناث سواء بسواء إن كان ولابد، ليس فقط عند مغادرة البلاد والعودة إليها، وإنما هناك في المواخير والفنادق ومراكز الشبهات.
على من فكر في التطوع بخدمة رسائل الجوال لمتابعة تحركات النساء أن يفكر جديا في تصنيع حجول سيقان أو أطواق رقاب إلكترونية تقفل عند المغادرة وتبرمج، بحيث ترسل على مدار الساعة إشارات لاسلكية تحدد الزمان والمكان، ويستحسن أن تكون مزودة بميكروفونات سرية، على أن يتم التطبيق على الجنسين ذكورا ونساء بالعدل والقسطاس حماية للمجتمع من فساد نصفيه المتكاملين. فقط هكذا نستطيع التعرف على الفروق الذكورية الأنثوية في درجات الصلاح والفساد ومدى الثقة التي يجب منحها لهذا الطرف أو ذاك.
حجول المتابعة الإلكترونية مطبقة في أمريكا بالفعل، ولكن على المساجين عند التسريح المؤقت للتأكد من صدق التوبة.
- الرياض