ما زال الجدل مستمراً بخصوص قرار وزارة العمل برفع تكلفة رخصة العمل. والجميل في هذا الجدل أن هدف المُعارض له أو المؤيد هو مصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول، باستثناء تجار التأشيرات والمتسترين.
وأعتقد أن أهم سبب لهذا الجدل هو طريقة اتخاذ القرار، وعدم وجود أرقام ترجح حجة أي من الطرفين، رغم أن عدم وجود أرقام بحد ذاته يرجح كفة المُعارض؛
حيث إنه لا يمكن اتخاذ قرار سليم من دون وجود أرقام دقيقة. السبب الآخر هو عدم استشارة أصحاب الشأن من مواطنين أو رجال أعمال كما يحدث حالياً في نظام الرهن العقاري، وذلك عندما قامت مؤسسة النقد بنشر القرار وطلب مرئيات العموم، وهذه طريقة متبعة في الدول المتقدمة، وتتبعها بعض الجهات الحكومية لدينا، وقد أثبتت جدواها. أحد المسؤولين في إحدى الجهات الحكومية التي تتبع هذه الطريقة في اتخاذ القرارات المهمة يقول «لا أذكر أننا اتخذنا قراراً بعد طلب مرئيات العموم إلا وكان ناجحاً ومن دون نقد، ولا أذكر أننا اتخذنا قراراً من دون هذه الطريقة إلا وواجهنا مشاكل كثيرة».
وحيث إن العبرة بالنتائج، وبغض النظر عن هذا القرار، ليتنا نراجع النتائج التي حصلنا عليها من قرارات وزارة العمل منذ اتباعها استراتيجيتها الجديدة عام 1425، التي كان هدفها القضاء على البطالة.
ولكي لا نبخس الوزارة حقها سنتكلم عن النجاحات قبل الدخول في النتائج السلبية. من أهم النجاحات الربط الإلكتروني بين وزارة العمل والتأمينات والجوازات، وهذا إنجاز استراتيجي أكثر من رائع. ومن القرارات الممتازة نظام نطاقات، وهو برنامج جيد، يحتاج فقط إلى تطوير؛ حيث إننا نعلم أن هناك سعودة وهمية استخدمها البعض للحصول على نطاق أفضل، وذلك بدفع رواتب لسعوديين لا يعملون. المشكلة في هذه السعودة الوهمية هي تشجيع البطالة؛ حيث يتم دفع مال لشخص لا يعمل لمجرد استخدام اسمه. وأخيراً برنامج حافز، الذي كان إنجازاً بجميع المقاييس.
أما بالنسبة للسلبيات فأهمها أننا رفعنا متوسط تكلفة المعيشة على جميع أفراد المجتمع؛ فأصبح المواطن اليوم يدفع ضعف بعض التكاليف التي كان يدفعها قبل عام 1425، والتي منها تكاليف السائق الخاص، الذي كان راتبه في السابق 800 ريال واليوم 2000 ريال، وصيانة المنزل حيث إن السباك أو الكهربائي كان يعمل لديك ساعتين بـ100 ريال أما اليوم فلا يقل عن 300 ريال، وكذلك عمالة البناء فبعد أن كانت يومية العمال 75 ريالاً أصبحت 180 ريالاً، وقس على ذلك أموراً كثيرة. ولكن أين ذهبت هذه التكاليف الإضافية التي دفعها - وما زال يدفعها - المواطن؟ هل دخلت الاقتصاد واستفاد منها؟ إذا نظرنا لتحويلات العمالة نعلم أن هذه التكاليف الإضافية، التي كان سببها قرارات وزارة العمل، خرجت من البلد إلى غير رجعة، والمتضرر الوحيد المواطن واقتصاد البلد.
ومن النتائج السلبية زيادة تحويلات العمالة من 57 مليار ريال في عام 1426 إلى ما يقارب 128 ملياراً في عام 1433، وهذه هي الأرقام التي تم تحويلها من خلال القنوات المصرفية، وهناك مبالغ كبيرة تم تحويلها بشكل غير نظامي. هذا لا يعني أن بعض الزيادة في التحويلات غير منطقية، بل منطقية بسبب زيادة مشاريع الدولة.
من النتائج السلبية زيادة العمالة السائبة والعمالة غير النظامية واستمرار مشكلة البطالة بين السعوديين، وكذلك هروب العمالة المنزلية وعمالة الشركات، وظهور نشاطات غير نظامية جديدة، منها تأجير العمال وتهريب العمالة لتأجيرها للمشاريع الكبيرة. أحد الإخوة يذكر لي أنه استأجر عمالة لأحد مشاريعه من وافد يجمع العمالة من الشوارع، ويؤجرها، وأن الوافد يربح من هذا النشاط غير النظامي 3 ملايين ريال سنوياً بعد أن يعطي كفيله 500 ألف.
انتظار نتائج هذا القرار لنعلم مدى جدواه من عدمه هو بمنزلة المساعدة في خراب مالطا أو الانتظار إلى أن تخرب لنبحث عن قرارات جديدة لإصلاح ما هدمناه.
@BawardiKwww.bawardik.com