الاتهام إن لم يُحصر في الفاعل والمحرض لا يتعدى أن يكون محض افتراء وهراء.. أو حصيلة معتقدات آمن بها الإنسان تقديساً لمن سنّها.. فيُسبغ على من قبله صفة البراءة والفضيلة.. ولمن خالف معتقداته ومشاعره النبذ والإقصاء.
إن الاتهام الجماعي لعرق أو دين أو جماعة أو مذهب له سمة الحماقة.. والتي بدورها تأتي لصيقة بالتعصب لا تكاد تنفك عنه.. ثنائي تجده حاضراً وإن استتر في أي إبادة جماعية حدثت وستحدث.. تغفو حيناً ليعم السلام وتستيقظ على يد أحمق متعصب يحرك الجماهير بميراث الأحقاد.. سيناريو يعاد بأشكال متعددة.. إلا أن بدايته واحدة.
أعظمه القتل كأسوأ نتيجة.. وتصغر الدائرة حتى تصل للمجتمع الواحد.. فهو موجود بين الشعوب والمجتمعات لتأخذ الجميع بخطيئة أحدهم.. وتأتي في صور باهتة ومتغيّرة.. إلا أنها تتبع ذات المبدأ.
فخطأ الفرد وصمة عار بوشم ظالم على كل من يتبعه.. قوالب جاهزة للحكم المسبق.. بدائية سكنت الإنسان إبان خلقه الأول قبل أن يعرف نفسه ويفهم سر الكون واختلافه.. لكنها بقيت حتى لو تبرأ منها كثير من المتعلمين قديماً وحديثاً.. إلا أنها باقية تنخر في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان.. تقوم على قاعدة أن أحدهم أفضل من الآخر لأسباب مختلقة.. تشي بولع البشر بالطبقية التي تضمن لهم إشباع تلك الحاجة لتلميع أوثانهم التي تسكنهم.
وصورها كثيرة لا تخطئها عين ناقد.. فرد فاسد في منشأة ما.. فوراً تتهم المنشأة بالفساد وإن كان عدد موظفيها بالآلف.. وآخر من قبيلة ما.. قيل عنه قصة واشتهرت فإن القبيلة كلها مثله.. دولتان بينهما نزاع سرعان ما تأخذ المواطنين حمية حمقاء ليكرهوا بعضهم ويتراشقوا بالتهم والشتم وهم أبعد ما يكونون عن حقيقة ما يحدث بين الحكام.. منحرف فكرياً وسلوكياً يتبع مذهباً معيناً فكل تابعيه منحرفون بالجملة وتهدر الدماء وتستباح الأعراض ويجرم المذهب بالكلية بسبب فرد واحد وحتى جماعة لا تساوي العدد الكلي!
ما أريد أن أصل إليه أن الخطأ لا يمكن تقسيم ضريبته على الأبرياء.. ولم آت بجديد فهو قانون رباني ومنطقي ومن صميم العدل.. ولو أن البشرية آمنت بذلك حقاً لسادت حرية النظام التي يعيش بها وفيها الكون عدا الإنسان.. لأنه يتعامل مع الفرد بنظرة جماعية جاهلة.. فيحارب الآخر بسبب لا يملكه.. فالخير لا دين له ولن يكون حصراً لأحد.. إنما هو موجود في إنسان يفهم الرحمة ويعلم جيداً أن الحياة أثمن من أن تضيع في تناحر من أجل إشباع غرائز رمز ما.. فالحرب إنما تشن على الفساد ومن يطبّقه.. وليس على تبعات قصص مات أبطالها ولا يفرقهم عن التراب إلا تقديس المصرين على تدويرها وتمثيلها مجدداً بأبطال أحياء.. ليكملوا رواية الثأر الغامض.
خارج النص: يؤخذ بالحب ما لا يؤخذ بأي قوة.
amal.f33@hotmail.com