هناك كتاب يتركون بصماتهم على مسار الموضوعات التي يطرحونها إن اختلفنا معهم وإن اتفقنا، وإن قبلنا مناهجهم أو رفضناها، وإن اختلفنا مع طروحاتهم أو اتفقنا معها لأن هناك جاذبية علمية فيما يطرحون، وهناك احتراف فيما يقدمونه، الكتابة عند هؤلاء لم تعد مجرد رصف للكلمات وسرد للأحداث بل هي تقدم أفكاراً ورؤى، وتمزج الأحداث وتصورها على نحو مشوق..

والكلام السابق ينطبق على المؤرخ الروسي المميز البروفسور الكسي فاسيليف الذي قدم مجموعة من الأعمال حول تاريخ المنطقة العربية حازت على المتابعة وإن كان هناك نقد على بعضها مثل كتابه “تاريخ العربية السعودية” إلا أن مجمل عمله ينم عن قدرة فائقة على المتابعة والرصد والتحليل وتقديم وجهات نظر واضحة وإن كنا نختلف مع بعضها.

وقد دفعني إلى هذا الكلام هو صدور كتاب جديد لفاسيليف بعنوان “الملك فيصل، شخصيته وعصره وإيمانه” نشر عن دار الساقي في لندن. وجاء في 638صفحة، هنا نجد بروفسور فاسيليف مرة أخرى يقدم درساً جيداً لمن يرغب في كتابة السير والتراجم لإعلام العصر، فمحتوى الكتاب امتزجت فيه المعلومات المنشورة في كتب وتلك التي احتوت عليها الوثائق والروايات الشفهية التي أجراها مع بعض الأشخاص من بينهم هنري كيسنجر ومحمد حسنين هيكل، وقدم هنا فاسيليف صورة مترابطة عن الملك فيصل منذ ميلاده إلى استشهاده وحلل جوانب كثيرة من شخصيته وعرف بمواقفه وربط الأحداث ومازج بين مختلف المصادر التي استخدمها ليقدم لنا الفيصل رحمه الله كزعيم عربي وإسلامي وعالمي أثر في مسار التاريخ في الفترة التي عاشها.

والكتاب رغم كبر حجمه إلا أنه مشوق في طرحه وعرضه، يرغم القارئ على متابعة قراءته إلى النهاية دون ملل..

كتاب فيصل لفاسيليف دعوة للمهتمين في تأمل المنهج، ودعوة إلى أهمية استقصاء كافة الجوانب المتعلقة بالموضوع باستخدام كل وسيلة من وسائل المعرفة، وكتاب فيصل دعوة إلى أهمية استضافة أمثال البروفسور فاسيليف في أقسام التاريخ والدراسات الإنسانية في المملكة لمحاورته والاستفادة من تجربته وتقديم أي نقد إلى أعماله اعتماداً على حقائق قد تكون غابت عنه.