مارست حقها المشروع في هذه الحياة وهو أن تحلُم، ولم تجد حقها المشروع على أرض الواقع في الحصول على مقعد جامعي!
هكذا بكل بساطة، تصلها رسالة تقول: “نعتذر عن عدم قبولك”.. هذه حكاية فتاة من بين العشرات اللاتي لا يستطعن الحصول على مقعد دراسي في الجامعة، ولا يحتكمن على الإمكانات المادية لتحقيق الحلم عبر جامعة خاصة.. فماذا يفعلن داخل مجتمع فرضَ عليهن خيارات محدودة، وحجَّم هذه الطموحات داخل أسوار عالية؟
إن هذا التسرُّب الإجباري هو تعطيل حقيقي لسواعد بشرية معنية بالتنمية والنهوض بالمجتمع، وتعطيل لفرض ديني إذ إن العلم هو فريضة على جميع المسلمين، وحرمان الإنسان من التعليم العالي هو تعطيل فكري عن بوابة الجامعة التي تفتح أُفق الإنسان لمساحات الإحاطة عن طريق التعليم ضمن مرحلة انتقالية في حياة كل إنسان، ومع هذه المتغيرات الحياتية حتى التعليم العالي لم يعد وحده كافياً لصناعة فكر ووعي، إلا أنه أحد أهم ركائز الوصول إلى هذه النتيجة.. لذا فإن عرقلة الحصول على هذا الحق، يحرم “المحروم” من أن يكون من ذوي من قال تعالى عنهم في كتابه الكريم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.. والفتاة السعودية - تحديداً - في هذا الوضع الذي وصلني عبر عشرات الفتيات المحرومات من مقاعد الجامعة، وآخرها رسالة وصلتني عبر فتاة تروي لي مأساة أختها المحطَّمة نفسياً، جراء بقائها أسيرة لجدران المنزل، واصفة لي الحالة النفسية التي تعيشها مذ خمس سنوات، بعد أن تبخّرت أحلام الجامعة والابتعاث والمساهمة في هذا المجتمع كعنصر فاعل، لا عالة عليه بالتعطيل الإجباري، والدخول في مضاعفات التمييز ضد المرأة، في حالة لا تسمح للفتاة بكثير من الأحلام، ولا بخيارات متعددة.. حالة الفتاة بحسب شقيقتها ليست بجديدة على بناتنا، وكثيرات غيرها يعانين نفس الحالة، سواء بالحرمان من التعليم العالي، أو بالتعطيل داخل نادي البطالة السعودي، الذي شرخَ الأحلام المشروعة، وكسرَ الأمل في نفوس المُقبلين على الحياة!
إن ما يحصل برغم وجود 25 جامعة حكومية في المملكة، تستوعب آلاف الطالبات والطلاب سنوياً، مع ذلك ما زال حلم المقعد الجامعي عصيّاً على البعض، فهذا نذير بوجود خلل ما، تتحمَّل مسؤوليته بالكامل وزارة التعليم العالي المعنيّة بالتخطيط لتحقيق أهداف وتطلعات هذا الوطن، وهذه الأهداف لا تتحقق إلا بأيدي أبنائه، حيث صار التعليم العالي منهجاً أساسياً في خُطط المملكة عن طريق التعليم المحلي أو الابتعاث، مع هذا ما زال الوضع قاصراً بترك فئة من بنات وأبناء هذا الوطن على حدود التعليم الثانوي، الذي لا يُساوي شيئاً أمام حالة جارفة من الانفجار المعلوماتي والانفتاح الثقافي الذي يحتاج إلى حصانة علمية وفكرية لتمحيصه وغربلته، والعلم هو أول وسائل تمكين الإنسان من التفكير المنطقي.
أتعاطف كثيراً مع وضع الشباب من الجنسين في مثل هذه الحالات، ولن أخفي تعاطفي الزائد مع الفتيات اللاتي لا بديل لهن عن التعليم سوى البقاء في البيت وانتظار العريس الذي قد يطرق الباب أو لا يطرقه، وقد يفتح الباب على مستقبل مجهول أتى بسبب زواج “الحظ” تكون نتائجه خيبات مضاعفة، ضحيتها في الغالب الفتاة.. وآه يا فتياتنا!
www.salmogren.net