في يوم الأحد 06 رجب 1433 الموافق 27 -5- 2012م أي قبل ما يقارب الستة أشهر، عندما بدأت شعبية الإخوان حينها في الانخفاض، كتبت في هذه الزاوية تحت عنوان (الإخوان: حلم يتهاوى) ما نصّه: (أعرف منذ البداية أنّ مشروع الإخوان السياسي مشروع لا بد أن يفشل حتماً؛ لأنه يقوم على محاكاة العواطف وليس الواقع، ولأنهم لا يملكون برنامجاً محدداً واضح المعالم، ناهيك عن افتقارهم التجربة السياسية والاقتصادية في سياسة الدول. غير أنني بصراحة لم أتوقع أن يكشف الإنسان المصري الإخوان وخداعهم بهذه السرعة، إلاّ أنّ تماديهم - على ما يظهر - نكث الوعود وتغيير المواقف في فترات قصيرة جعلهم ينكشفون على حقيقتهم سريعاً، فتأكد المواطن المصري الذي كان منخدعاً بهم أنّ هؤلاء ليسوا أكثر من جعجعة وليس ثمة طحناً).. وهذا ما تأكد اليوم بشكل قطعي. الإعلان الدستوري الذي أعلنه مرسي نهاية الأسبوع الماضي كان (انقلاباً) على دولة القانون، وتنصُّلاً من الدستور الذي (أقسم) على الوفاء له والالتزام به، وهو يُؤكد ما كنت أقول؛ فتيارات الإسلام السياسي كانوا يتّخذون من الديمقراطية مطيّة، مثلما اتخذوا من الدين مطيّة، أما الهدف والغاية التي تسمو على كل الغايات، فالوصول إلى السلطة، وبمجرّد أن يصلوا، ويتربّع أحدهم على عرش السلطة يُحرقون المراكب التي أوصلتهم، ويتحوّل الرئيس المنتخب في دولة الدستور والقانون، إلى (ديكتاتور) مطلق الصلاحية، لا يُسأل عما يفعل، ولا يرد له قضاء، ولا يُراجع له حكم؛ فهو (الحاكم) و(المشرع) و(القاضي) في آن؛ ولا يملك كائن من يكون أن يرد له قرار.
مرسي لم يختلق جديداً؛ فكل أصحاب الإسلام السياسي هذا ديدنهم؛ فهم لا يفون بوعودهم، الخميني قَبلَ مرسي (خَدَع) كل من تحالفوا معه لإسقاط الشاه؛ فبمجرّد أن وصل إلى السلطة قلب لهم ظهر المجن، وانقلب على من أوصلوه وتحالفوا معه، ففر من فر إلى المنافي، ومن قبض عليه أدخله السجن وعذّب، وتفرد بالسلطة (فرعوناً) بكل ما تعنيه الكلمة. حماس في غزة أذعنت في البداية إلى ما تقضي به صناديق الانتخابات، وبمجرّد أن وصلوا وسيطروا، ضربوا بصناديق الانتخابات عرض الحائط، وتحوّل هنية إلى مستبد في يده بندقية، من قال له: (لا)، أو نازعه في سلطته، أو نافسه أو نافس حماسياً آخر في تجارته واستثماراته جاءه (زوّار الفجر) وغيّبوا شمسه وقُيدت القضية ضد مجهول كما قال لي أحد من التقيت به من سكان غزة. هذه أساليب أساطين الإسلام السياسي، فمحمد مرسي لم يزد على أن طبّق ما طبّقه أصحاب منهجه، تمسكن حتى تمكّن، وعندما شعر أنّ القوة في يديه، تحرّر من جميع الوعود والمواثيق.
لماذا فعل ذلك بهذه السرعة؟
الاحتمالات التي يقال إنها دفعته إلى هذا القرار المتعجّل كثيرة، غير أنّ الثابت أنه أراد أن يصمم دستوراً يجعله هو وتوجّهه في الحكم إلى الأبد، ولأنه يعلم أنّ شعبيتهم تتهاوى فلا بد من اللعب في الانتخابات المقررة، بـ(التزوير) لتأتي النتائج كما يريد، ولكي يحصن نفسه وقراراته من سلطة (القضاء) ريثما يعيد تشكيل المؤسسات القضائية و(يُؤخونها)، ويُطبق هو وجماعته على مفاصل مصر ما بعد الثورة.
هل سينجح؟.. كل المؤشرات التي أمامنا تقول: لا؛ فهناك مقاومة قوية وشرسة لقراره الأخير إلى درجة لم يتوقعها أحد؛ خاصة من الجسم القضائي المصري الذي هدد بتعليق العمل في المحاكم إن أصر على تنفيذ القرار؛ أما إذا اضطر إلى التراجع عن القرار كما هو متوقع فإنها ستكون ضربة موجعة للإخوان ستؤثر عليهم تأثيراً عميقاً في أية انتخابات قادمة.
إلى اللقاء.