لماذا تنتهي نقاشاتُنا في مجالسنا غالباً بخلاف وعداء؟! لماذا لا نُحسن الحوار؟! لماذا لا نعرف كيف نختلف فيما بيننا؟! لماذا لا نتذكَّر عند الاختلاف قول الحق تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } (118) سورة هود.
إنَّ الاختلافَ أمرٌ طبيعي؛ وليس من المنطقي أن نُجبر الجميع على الأخذ بآرائنا، وأن نعتقد أن كل من يخالفنا هو عدوٌ لنا، وكل من يحذو حذونا هو صديقنا؟!
علينا أن نبدأ في تعلُّم أدب الاختلاف، الذي يُبنى على عددٍ من الأسس، أهمها:
* إنَّ وضوح الفكرة لدى الشخص، لا تعني أن الجميع يرونها بنفس الوضوح، فأحسن الظن بالآخرين، والتمس الأعذار لهم، وأخبر نفسك أن لديهم أدلة مُقنعة لِما يذهبون إليه، أو لعلهم يجهلون الصواب؛ لقصور علمهم.
* إن كنت على حق فلا تُنزه نفسك، ولا تنظر لكل من يختلف معك أنه على باطل، بل انظر إليه على أنه على خطأ يحتمل الصواب، ويمكنك أن تعُدَّه رأياً مُكملاً لرأيك، أو قد يكون رأياً صالحاً في ظروف أخرى.
* إذا كنت لا تملك فن ثقافة الاختلاف، واحترام الآخر، والقدرة على الاستماع إليه، فلا تطلب من غيرك أن يمنحك إياها بالمجان؛ فعاملْ الآخرين كما تُحب أن يعاملوك.
* اجعل بينك وبين الآخرين شعرة معاوية؛ كما قال الخليفة معاوية بن أبي سفيان: «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها، إن شدَّوا أرخيت، وإن أرْخوا شددت».
* كن مع الحق ولو على نفسك، فإن كنت مع الحق كان الله معك؛ يقول تعالى: { فَبَشِّرْ عِبَادِ*الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (17-18 سورة الزمر).
* ثقِّف نفسك في جميع أمور الحياة؛ فإنَّ أفكارك عندما تقولها لن تكون وليدة اللحظة، ولكنها عُصارة ثقافتك وخبرتك؛ فإن ذلك حتماً سيجعل رأيك مختلفاً مميزاً، ويقتنع به الآخرون، وستنسجم مع الآخر إذا خالفك الرأي.
وأخيراً: إنَّ من أهم آداب الاختلاف أن يكون الإنسان حسن النيَّة، صادقاً في طلب الحق، وألا يجعل للشيطان مدخلاً إلى عقله وقلبه؛ فلا تُطاوع نفسك في إطلاق التّهم على الآخرين، أو احتقار عقولهم وآرائهم؛ فهذا من باب الظن السيئ بالآخرين، «أحسن النية، تنل حسن الجوار، ومحبة الآخرين».