منذ أن أعلنت وزارة العمل نيتها في فرض رسوم إضافية لرخصة العمل التي تصدرها للعمال الأجانب الأسبوع الماضي والجدال حولها يحتدم, فقليل هم الذين وجدوا في ذلك المنهج مصلحة, في حين أن معظم الأصوات تطالب برجوع الوزارة عن توجهها, لما في ذلك من أضرار متوقّعة بمؤسسات القطاع الخاص وخصوصاً المؤسسات الصغيرة، هذا الجدل يبيّن بوضوح واقع القصور في إستراتيجية تنظيم سوق العمل، فما زالت الوزارة تسير على المنهج القديم في التعامل مع تحديات بطالة المواطنين وعملية توطين الوظائف, دون وضع إستراتيجية متكاملة لتنظيم سوق العمل.
تمثّل تكلفة العمالة النصيب الأكبر من تكاليف الإنتاج، وتصبح معظم تلك التكلفة في النشاطات الخدمية، لذا فإن أي تذبذب في هيكلة تكوينها ينعكس بصورة مباشرة على نوعية وسعر تلك الخدمات ويربك قوى المنافسة في السوق بصورة عامة مما يقود لنتائج غير مفيدة للاقتصاد الوطني، هذه الحقيقة لا تخفى على قيادات وزارة العمل، ويفترض أن تكون الوزارة على دراية تامة بما تحدثه قراراتها من تأثيرات على السوق، ولديها تصور واضح عن ما تهدف له من ذلك، ولكن المراقب لبعض قرارات الوزارة لا يستطيع أن يجد رابطاً إستراتيجياً بينها يدعو للاعتقاد بوجود رؤية واضحة لمستقبل سوق العمل، فهي سلسلة من ردود الفعل وحلول تدرجية تصب في عملية تطويع لمؤسسات القطاع الخاص دون اكتراث لنتائج ذلك الإجراء من الوزارة، وهو ما يوحي بضعف الاتصال والتواصل بينها وبين باقي القطاعات التي تؤثّر في محركات الاقتصاد الوطني، هذا الضعف في المنظور الإستراتيجي للوزارة هو نتيجة لضعف إدراك سمات سوق العمل ومحركات التأثير فيه.
زيادة تكلفة العمالة المستوردة في نظري ليست أمراً سيئاً فيما لو تم تناوله بمنظور إستراتيجي يهدف لرفع كفاءة العمل بصورة عامة، فالعمالة الرخيصة في معظمها عمالة غير مؤهلة وغير قادرة على إنتاج خدمات وسلع نوعية، لذا أعتقد بأن رفع تكلفة العامل الأجنبي أمر مطلوب لعدة أسباب يطول شرحها، من أهمها رفع الكفاءة الإنتاجية لسوق العمل نتيجة لضمور عامل المنافسة في تكلفة العمالة، وهو ما يقود لرفع نوعية العمالة المستقدمة من حيث مستوى التعليم والمهارة وبالتالي التأثير في كفاءة المنتجات من السلع والخدمات وتحسين نوعية الحياة الاجتماعية والمعيشية للقوى العاملة، ولا شك أن لرفع تكلفة العمالة المستقدمة تأثير بعيد المدى على عملية توطين الوظائف وخلق فرص جديدة للعامل المواطن، ولكن هذا الأمر يجب أن يؤخذ بصورة متوائمة ومتضافرة مع عوامل أخرى، وأن يكون في صورة إستراتيجية بعيدة المدى واضحة المعالم، ومعروفة للعموم، ويجب أن تنتهج وزارة العمل خطة مفصلة تقوم على استقراء لواقع سوق العمل ووضع خارطة طريق معلنة، بحيث تخطط مؤسسات القطاع الخاص أعمالها طبقاً لتلك الخطة، وعلى الوزارة أن تكون شفَّافة في قراراتها واستنتاجاتها ونشطة في التواصل الاجتماعي والمؤسسي مع قطاعات التأثير في الاقتصاد الوطني. لجعل إستراتيجية تنظيم سوق العمل شأناً وطنياً.
التفرّد في التحكم في سوق العمل من قبل وزارة العمل، لن يقود إلا لمزيد من الجفاء بينها وبين مؤسسات القطاع الخاص, لذا لا سبيل أمام الوزارة الموقرة إلا أن تعمل بصورة إستراتيجية وتعمل من خلال الشراكة مع مؤسسات التأثير في الاقتصاد الوطني وأهمها مؤسسات القطاع الخاص، فوضع إستراتيجية متكاملة شفَّافة واضحة المعالم وبعيدة المدى وقائمة على تلك الشركة يجعل الجميع مشتركاً في المسؤولية وراغباً في تحقيقها.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail