نستخدم في التعليم ما يعرف بدراسة الحالة ففي القضاء يتم استحضار قضية ويتم نقاش تفاصيلها وفي الصحة تستحضر حالة مريض ويتم مناقشتها وفي الإعلام نستحضر إحدى المؤسسات لدراسة سلوكها الإعلامي كنموذج قابل للنقاش والتعلم منه. ولطالب الإعلام الذي حثني على هذه الطريقة نصف سلوك وزارة الصحة الإعلامي بصفتها أبرز النماذج حضوراً في الإعلام.

حضور الصحة الإعلامي ليس جديداً لكن وتيرته ازدادت في الفترة الأخيرة، بالذات مع وجود قيادي له حضوره الإعلامي القادر على صنع المشهد الإعلامي حوله. وأقرب مثال يدعم هذا القول يتمثل في موسم الحج، حيث لا تكتفي الصحة ببيان إحصائي يومي وإنما تتحول المناسبة لديها إلى موسم إعلامي بارز تكثف فيه التصريحات مكثفة و الزيارات التي يتم تغطيتها إعلامياً حتى ولو كانت روتينية تصنف ضمن عمل المسؤول اليومي الذي لا يحتاج استحضار وسائل الإعلام لتصويره وتغطيته إعلاميا.

في الأسطر القادمة أطرح أمثلة لبعض آليات الظهور الإعلامية لوزارة الصحة وأتحدث عن الظهور الإعلامي الدعائي وليس عن نشاط صحي كالتوعية والتثقيف الصحي فتلك مهام تضاءلت لدى وزارة الصحة أمام الجانب الإعلامي الدعائي للمسؤول.

إحدى أليات الإعلام بوزارة الصحة والتي مكنتها من اختراق وسائل الإعلام المنشور تكمن في الحصول على صفحات تحريرية مقابل الصفحات الإعلانية. جاء موسم الحج ليكون مناسباً لبث إعلانات توعوية وتثقيفية للحجاج ومقابل ذلك تم الحصول على مساحات تحريرية بثت فيها كثير من التقارير الصحفية التي تخدم العمل الإعلامي الدعائي للوزارة. لقد أصبح عرفاً لدى غالبية الصحف السعودية منح صفحات تحريرية مقابل الإعلان التجاري بها ولست أعلم هل هي ظاهرة إعلامية مبررة أم هي خصوصية تمتاز بها صحفنا المحلية!

الآلية الثانية تتمثل في غرس الصحفيين منسوبي الوزارة بمختلف الصحف اليومية. أولئك الصحفيين مهمتهم ترويج أخبار الوزارة وكذلك المساهمة في حجب بعض الأخبار السلبية، حسب قوة الصحفي بالصحيفة وعلاقاته بالتحرير.

وإمعانا في تقدير أولئك الصحفيين فإنه يسمح لهم بالعمل في غير تخصصاتهم الصحية الفنية وتسهل مهامهم في الحصول على الدورات والانتدابات وغيرها. هذا الأمر واضح بمجرد متابعة أسماء المراسلين الذين ينشرون أخبار وزارة الصحة.

الآلية الثالثة تكمن في خلق الأخبار الإيجابية حتى ولو كانت أسسها واهية وأفضل طريقة لذلك تتمثل في إيجاد حفلات تدشين وافتتاح لمشاريع، حتى أن الوزارة في بعض الحفلات أعادت افتتاح مشاريع بدأت قبل ثلاث سنوات والاحتفاء بتوقيع عقود روتينية ونشر أخبار عمل يومية ليست من الأمور التي يهم المجتمع نشرها، مثل نشر اجتماعات موظفي الوزارة.

الآلية الرابعة تكمن في استمالة بعض عن طريق دعوتهم للقاءات ومناسبات تنظمها الوزارة أو مسؤوليها. التواصل بين الكاتب، مثلا، ومختلف الجهات أمر إيجابي طالما لم يتأثر الكاتب بحفلات البهرجة والاستقبال والتلميع على حساب صحة المعلومة والحفاظ على الحيادية في طرح الرأي.

هذا وصف الحالة والنقاش حولها قد يبين أساليب أخرى. والأهم من ذلك تتطلب دراسة الحالة تحليل إيجابيات هذا السلوك وهل كان له الاثر في إقناع الناس بجودة الخدمات الصحية أم أن له انعكاسات سلبية على المؤسسة الصحية وقياداتها. أيضاً ستفتح الدراسة مجال النقاش حول أخلاقيات العمل الإعلامي وماهي الأساليب الجائز استخدامها مهنياً ولا تتعارض مع مبادئ حرية وصدقية الإعلام.

وأخيراً يجب مناقشة مهمة الجهات الرقابية في التأكد من عدم استخدام الوسائل الدعائية بشكل مخالف للأنظمة أو مظلل للرأي العام وبالذات من قبل الجهات الحكومية.