يحدث أن ترى السجن جحيما وأنت بين أقدام الوقت تناضل حتى لا يسحقك اليأس فتتحول لمخلوق فقد قيمته وتساوى في نظره الموت والحياة..
ويحدث أن تتوقف بين مفترق الطرق كل درب يشدك نحوه والحيرة مشجب معلق أنت به ويدك مثقوبة يتسرب منها الوقت وتضيع الفرص..
ويحدث أن تعتزل الحب والبشر متأثرًا بجرح.. ومتأبطًا خبرات سابقة معممة كقانون لا يقبل الجدل لتخسر كثير من أحبابك..
ويحدث أن تفقد قوتك في معمعة الغضب.. وتنال منك سكين الضعف لتنزلق حواسك في وحل التهور والانتقام والعشوائية في حرب مهولة الخسائر..
فالعثرات في حياة الإنسان القوي المتسلح بالعلم والإيمان مجرد عارض غفل عنه ذات رغبة جامحة.. أو لجهل.. أو غياب هدف منشود.. سرعان ما يقوم منها بأقل الضرر..
إنما ما يفتك بالإنسان منطقة خطرة تمثل “معتقلات الذات” ولها شراك رخيصة مولعة بالصيد وعرقلة الأجساد لتبقى رهينة الحفر تنظر إلى القمم كحلم خرافي..
ولها أدوات خفية في التعذيب لمصادرة حرية المشاعر والاعتقادات..
والمعتقلات كثيرة متنامية قد تبدأ في سن مبكرة من العمر.. والمثير للسخرية أن أغلبها يصنعه الإنسان بنفسه ليكون “سجينا وسجانا” في ذات اللحظة..
ونذكر منها:
(معتقل جلد الذات) الذي يقتات على رؤية الفرد لذاته بعين الاحتقار لأي خطأ أو تقصير وينسى تمامًا كيف يسامح نفسه.
(معتقل النقد الآثم) وهو ما يحبس الإنسان في عيون الغير فإن مدحوه ارتفع مؤشر تقديره لذاته وإن ذموه سقط في قاع العجز.. ولا يفرق بين مقاصد النقد أكانت للنيل منه أم لرفع مستواه.. ولا يدافع عن ذاته ومنجزاته ولو بكلمة..
(معتقل التعميم المطلق) الذي يحصر الإنسانية في أطر قاسية غليظة تحد الأفق ليكون لكل شيء مقصلة جاهزة لنحر أي رؤية جميلة للغير أو المواقف.. فالتفسير واحد مهما تغير المكان والزمان والظروف.. ويغض الطرف عن صلاح البشر وجانب الخير الكبير فيهم..
(معتقل الجهل) الذي يجعل اللذة والتمتع حكرًا على إشباع بعض الغرائز.. بأي طريقة شرعية أم غير ذلك.. ومهما كانت وقتية فلا يشعر بغيرها ولا يصل إدراكه إلى أمور أسمى يمكن أن تمنحه السلام والجمال والرقي وصولاً إلى سقف المتعة.
إن أي عائق “موقف كان أو فكرة” يحد من حبك لذاتك ولمن حولك هو معتقل وشيك فبادر بمعالجته مستعينًا بعقلك الذي وهبك الله لتستخدمه لا لتؤجره.
amal.f33@hotmail.com