“طبيب يداوي الناس وهو عليل” مثل شعري شائع بات من الضروري أن يكون شعارا لمرحلة راهنة نعيشها، ويجدر بنا التعامل معها مستقبلاً بحذر ودراية، فالمهن والأعمال التخصصية الإنسانية في هذا الزمن باتت متحولة ومتغيرة، وقد تهرم، أو يعلوها الصدأ، ويكاد بعضها يختفي عن الوجود لولا جهود قلة ممن يتشبثون بها، ويسعون جاهدين لحفظها وحمايتها من الضياع.
فما يلفت الانتباه في هذا الأمر أن طبيباً في مجال الصحة النفسية في أحد المدن ولديه - كما قيل في تقرير عنه - أكثر من أربعين مريضاً نفسياً في أحد المراكز الصحية، اكْتشِفَ وبمحض الصدفة من قبل أحد ذوي هؤلاء المرضى أنه مريض بذات المرض الذي يعاني منه مرضاه
فلا يمكن لنا أن نستبعد المرض لدى أي أحد من البشر أيا كان .. كبر أو صغر .. طبيبا أو غير طبيب .. إلا أنه من الواجب أن يتم تقييم العاملين، ورفع كفاءة الطب والمعنيين به على وجه التحديد، لأن الطب لصيق بحياة الناس، فمن لا يستطيع العمل من هؤلاء الأطباء في هذه المهنة الحساسة فمن باب أولى أن يبحث له عن أي عمل آخر في مجال العمل الإداري لمهنة الطب مثلاً، أو يذهب إلى منزله وهذا ليس عيباً.
إلا أن هناك في مجتمعنا ومجتمعات من حولنا من لا يطيق حتى الحديث في أمر التقاعد، أو الاستقالة، أو التسريح، أو إنهاء المهام .. فالكثير ممن مارسوا العمل الوظيفي للأسف يسعون إلى التشبث بأي عمل حتى أنه لا يمكن الفصل بينه وبين مقعد الوظيفة ولو بالماء الحار، أو الأكسيجين والنار!!
فما بالك حينما يكون التشبث في الوظيفة من قبيل هذا الطبيب المريض بعلل نفسية -شفاه الله-، ولك أن تتخيل أيضاً أن طياراً يقود طائرة عملاقة في الجو ومعه مئات الأرواح يكتشف أنه لا يحسن الإبصار، أو أن جراحا يحمل مشرطه في عشرات العمليات وهو مصاب بالرعاش أو الزهايمر، أو غيرهما ممن يمارسون مهناً في غاية الأهمية والحساسية ولاسيما ما يتعلق بحياة الإنسان وسلامتهم.
أذكر موقفا طريفاً حدث لصديق وقع له قبل أعوام ورواه من قبيل الطرفة، مفاده أنه هم بإجراء فحص على عينيه في عيادة طبيب مشهور في تخصص طب العيون في الرياض، وحينما وصل إلى العيادة لم يجد فيها سوى العامل، ولما طال انتظاره، وألح على العامل في السؤال اكتشف أن الطبيب ذهب لعيادة أخرى تتعلق بالقلب والضغط والسكري. وبعد قرابة الساعة من الانتظار جاء الطبيب وهو يعاني بالفعل.
فالموقف هنا يعكس أهمية الإيمان بأن الإنسان وإن كان مبرزا في عمله له طاقة وحدود احتمال، ومن الأجدى تجديد الدماء في المهن التطبيقية، والعملية من أجل تقديم رؤية مهنية سليمة، تصب في خدمة العمل الإنساني، ولا يصيبها بالتكلس والوهن والتردي.
فنجاح المشروع الغربي أو الياباني أو الصيني في مجال خدمة البشرية مرده وأساسه هو التطوير والتجديد والأخذ بمبدأ أن “لكل زمان دولة ورجال” وعدم الاستسلام لمبالغات فرضيات الخبرة وأهلها على نحو هذا الطبيب الذي يعاني أخطر الأمراض .. فهؤلاء لا شك أنهم يستطيعون مد يد العون لمن يريد دون التشبث في الوظائف وكوادر العمل المهني .. فالحياة الاجتماعية الناجحة تتطلب مزيدا من الطاقات البشرية المتجددة.
hrbda2000@hotmail.com