يعلم من تابع قصة الفتاة الباكستانية (ملالا) ذات الخمسة عشر ربيعا أنها أخذت أبعادا دولية وأحدثت أصداء عالمية واسعة والأسباب بالطبع معروفة. نفس القصة الممجوجة تتكرر منذ سنوات طوال، فتاة على أبواب ربيعها تتعرض لهجوم من همج طالبان الباكستانية، وهي متوجهة إلى مدرستها في الحافلة، في محاولة لترويع كل من يجرؤ على مخالفة نهجهم في منع الفتيات عن التوجه للمدارس.
وكان ذنب ملالا أيضا أنها أيدت حق الفتيات في التعليم فصارت خصما وعدوا لهمج طالبان مشروعا قتله. تأتي هنا (شهامة) المنظمات الدولية وبعض الدول الغربية التي رأت في سلوك أولئك الهمج فرصة ومنحة مجانية لوصم المسلمين بالتخلف والإجرام، ولعرض الصورة المغايرة للتحضر الغربي، ولشديد الأسف كيف نقنع من يجهل حقيقة الإسلام من الشعوب الأخرى بعد هكذا حوادث، وخاصة أن الإعلام الدولي غربي الصناعة والطابع فيستغل من قبل أصحاب المصالح ضد الإسلام لوصفه بدين الإرهاب والتخلف. طبعا لا يخلو الغرب وبالذات شعوبه من المنصفين وممن لهم القدرة على فرز الزائف من الحقيقي فيما يرد من قصص وأخبار من بعض بقاع العالم الإسلامي والعربي، ولكن لماذا أصلا يسيء بعض من ينتسبون إلى الإسلام إليه ويمنحون هبات وفرصا ذهبية لتشويه دين الحضارة والفكر والإنسانية؟! وياليتها تقف عند هذا الحد، بل إن دولا تدين بالإسلام وتجدها تتصدر دول العالم أو ضمن المتصدرة، في الفساد السياسي والمالي والتنمية الصحية والتعليمية والخدمات وغيرها، فتقدم صورة سلبية أولا، ثم توفر بيئات خصبة لنمو أعمال التطرف والعنف والتخريب، ثم هذا النفاق الغربي والاهتمام البالغ بهذه الفتاة، وإن كنا نفرح بنجاتها من الموت هي وغيرها وبتوفر الرعاية لها ولغيرها أيضا، لكن ما كان لها أن تجد هذا الاهتمام لو أنها كانت تقبع في قرية أفريقية أو فلسطينية هاجمها صهيوني محتل، إنما هاجمها أناس ينتمون للإسلام في بلد هو مركز نزاع وتجاذبات دولية ومطامع غربية وهذا هو السبب الذي يبطل معه العجب.
الدول الغربية والآسيوية وبعض دول أمريكا الجنوبية لديها أزمات أخلاقية وروحية ومثالب يجدر بنا الاعتبار منها وتجنب تقليدها، كما أن لديها من صنوف التقدم والازدهار ما يستحق الاحترام والتقليد والأخذ بأسباب ذلك التقدم، واستيراد كل إيجابي ومتناغم مع قيمنا وحاجاتنا دون وجل أو ارتياب، وأؤكد على هذا حتى لا يظن القراء الكرام أنه حين ينتقد الغرب أو الآخر بشكل عام فإن النقد يشمل كل ما لديهم ومنهم، فهذا غاية الجهل وضيق الأفق. كما أن لدينا أيضا نماذج مشرفة حكومية وفردية ومؤسساتية ونهوض وإن كان بطيئا لكنه بدايات مشجعة، فجلد الذات حيلة العاجز ولابد من التفاؤل وتعزيز الثقة بين الناس. ماليزيا كانت إلى عام 1985م دولة نامية بمعدل نمو متدني للغاية حتى أتى عبقري التنمية الدكتور مهاتير محمد ونفض عنها غبار التخلف المتراكم، فقادها خلال عشر سنوات لتحتل مركزا متقدما صناعيا وتنمويا. تركيا كانت حتى عام 2000 ترزح تحت دين ثقيل واقتصاد بطيء، حتى عاكست دول أوروبا في النمو خلال سنوات معدودة فانظروا إلى حالها الآن وازدهارها وقوتها، ولكم فائق التحية.
omar800@hotmail.com