بيان وزارة الداخلية - الأخير -، والتي أعلنت فيه: “عن محاولة أحد عشر إرهابيًّا التسلل إلى خارج المملكة، بعد أن تم إطلاق سراحهم، والتخطيط لإعداد كمين لدورية سلاح الحدود، ومن ثم الاستيلاء عليها، والدخول بها للأراضي اليمنية دليل على أن هناك من يمد تلك الجماعات الإرهابية بالمال، والسلاح، بل ويجدوا في أراضي بعض الدول المجاورة ملاذًا آمنًا لهم؛ مما يؤكد على: أن موجة الإرهاب لم تنته - بعد -، وإن انحسرت كثيرا، إلا أنها تعود مجددا مع تجدد الظروف من حولها، وتلون وسائل، وأساليب الإرهابيين، وتعدد خططهم الإجرامية. وهو دليل - أيضاً -، على أننا لا زلنا ندفع ثمنا كبيرا من جراء تلك الثقافة المتطرفة في المجتمع، والتي بدأت باستهداف العنصر الأجنبي في المملكة، وقتل الأبرياء من المعاهدين، ثم تحول - مع الأسف - إلى تدمير البنية التحتية، ومقرات المؤسسات الأمنية، وقتل الرموز الوطنية.

كان المؤمل من هؤلاء العودة إلى رشدهم، وتفعيل توبتهم، وتبرؤهم من الأعمال الإرهابية، بعد أن تعرضوا للزيغ، والانحراف، واستجابوا لنزغات الشيطان، وتضليله، وانقضت فترة محكوميتهم، إلا أن سيكولوجية التطرف لدى هؤلاء، والحكم على دوافعهم، والتوقع من تصرفاتهم المقبلة، كانت علامة فارقة على تخبطهم في المنهج، وارتهانهم بتوجهات سياسية مدعومة خارجيا من دول إقليمية، وإن لبست لباس الدين، على الرغم من قلتهم، وهو ما أكده مدير الإدارة العامة للأمن الفكري في وزارة الداخلية السعودية - الدكتور - عبد الرحمن الهدلق - ذات مرة -، بأن نسبة “ المنتكسين “ بعد مناصحتهم من الفكر الضال، لا تتجاوز 10%.

سبق لي القول في مقالات سابقة أن تبصير هؤلاء بشأن الانحرافات الفكرية، وما يترتب عليها من آثار سلبية، وتصحيح مفاهيمهم، هو جزء من مواجهة الأفكار الضالة، التي يجب أن تكون بأدوات الفكر، ولغة المناصحة، وصولاً إلى مستوى فكري آمن، ومتوازن لهم، ولمجتمعهم. وتلك لعمري من مرتكزات العملية الأمنية، وأساليب المواجهة مع حملة هذه الأفكار؛ من أجل العمل على اكتشاف مستوى البيئة الدينية، والعلمية، والثقافية، التي ساهمت في تشكيل، وتغذية هذه الفئة بالأفكار الخاطئة، والمنطوية على نزعة تكفيرية، - وبالتالي - تجفيف المنابع الحاضنة، التي تولد الإرهاب، وتغذيه، وتنشره.

غني عن القول، أن مواكبة الاحتياج الفعلي للمتغيرات الزمانية، والمكانية، ومواجهتها بما يتماشى مع واقع الحال، يتطلب قيام الأسر بدور فاعل في الرعاية اللاحقة؛ من أجل حماية أبناءها من الانخراط في صفوف الجماعات المتطرفة، وعودة أبناءها إلى طريق الحق، والاستقامة، والولاء للوطن، والالتفاف حول القيادات في دولتهم، والحذر من مفارقة جماعة المسلمين - مطالب مشروعة -؛ لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، والأسري لهم، وإعادة دمجهم في أعمال ملائمة، وبيئة صالحة، تضمن لهم الاستقامة، وعدم الانحراف، أو التضليل، والمخادعة. مع ضرورة أخذ الدين عن علماءه المتخصصين الثقات، والمعروفين بوسطيتهم، ونبذ التفسيرات الخاطئة لقضايا مهمة، كالتكفير، والجهاد، والولاء، والبراء؛ لئلا يختلط شرف الهدف برداءة الأسلوب.