ففي عام 1939م قام في الكويت تمرد داخلي على آل صباح كان مدعوماً من حكومة العراق الواقعة آنذاك تحت السيطرة البريطانية، بهدف أن تتمكن حكومة العراق بدعمها للمتمردين من ضم الكويت إلى العراق، وفقاً لمخططات المستعمرين، وكان ملك العراق آنذاك - الملك غازي فصرحَ في بيان أُذيع من إذاعة بغداد بما معناه أن الكويت من العراق والعراق من الكويت، وكان في هذا البيان تشجيع للمتمردين واضح وصريح في دعوتهم إلى الاستمرار في التمرد بعون مؤكد من خارج الحدود.وأدرك الملك عبد العزيز أبعاد الخطة ومدى خطورة هذه العبارات المقصودة في بيان الملك غازي وكان لا بد أن يتصرف كعادته بسرعة.
اتصل الملك عبد العزيز فوراً بلندن مباشرة اتصل محذراً بأنه إذا لم يعد غازي، ويعلن من إذاعة بغداد هذه الليلة أن الكويت ليست من العراق، وأن العراق ليس من الكويت، فستكون قواتنا صباح الغد في الكويت، وإننا نحمل لندن المسؤولية الكاملة لكل النتائج، وكانت بريطانيا تعرف الملك عبد العزيز جيداً تعرف أنه عندما يتحدث، فإنما يعني ما يقول وأنه عندما يحذر فإنما لينفذ ما اعتزم دون تردد أو تأخير، وفي جهة أخرى فقد فهمت بريطانيا معنى اتصال الملك عبد العزيز بلندن مباشرة، فأدركت أن لعبتها مكشوفة وأن تسترها وراء حكومة العراق في تنفيذ مخططها لم يعد بمستور، وكان لا بد أن تستجيب.
وفي نفس الليلة ومن إذاعة بغداد أسرع الملك غازي يذيع بياناً جديداً كما طلب الملك عبد العزيز يؤكد فيه (أن الكويت ليست من العراق)، وفي نفس الوقت اتصل الملك عبد العزيز بالشيخ أحمد آل جابر الصباح قائلاً في تأكيد من الخارج: لا تخف وأنا وراءك أما من دخل الكويت، فإذا لم يكن في استطاعتكم القضاء على الفتنة في مهدها فإنا أعلم أن سكان الكويت أبناؤنا نحن وأنتم مسؤولون أمام الله ثم أمامهم عن إرشادهم لما هو صالح لهم في حاضرهم ومستقبلهم.
وأجابه الشيخ أحمد برسالة لعلها من أبدع وأروع الرسائل التي عرفها تاريخ العرب جاء فيها: (شكراً لك يا أخي عبد العزيز لقد أثبت لنا ولجيلنا وللأجيال من بعدنا أن زرع الجميل كزرع القمح، إذا بُذر في أرض خصبه تنتج الحبة، وطالما لم يكن هناك شيء من الخارج لا نستطيع مقاومته فنحن وأنتم وأهل نجد سواء منهم من في نجد ومن في الكويت أسرة واحدة يسند بعضها البعض ولا خوف علينا من الداخل بإذن الله)، فقد تكررت حكاية محاولة ضم الكويت مرة أخرى على يد عبد الكريم قاسم بإعلانه المعروف أن الكويت جزء لا يتجزأ من العراق مع اختلاف الظروف والملابسات بين المحاولتين، ففي عهد غازي كان البريطانيون مسيطرين شبه تامة على المنطقة، وفي عهد قاسم كان الكويت بلداً مستقلاً ذا سيادة كاملة معترفاً به في الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية وعضواً في جامعة الدول العربية والأمة العربية بأكملها تؤيد استقلاله وسيادته مكانته، وقفة العرب - كل العرب - وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية التى ناصرت الكويت قولاً وفعلاً، وكان لهذه الوقفة أثرها في الحد من أطماع قاسم وفشل مخططاته التي لم يكن أحد غير الله يعلم أبعادها وأهدافها الحقيقية ونتائجها غير المنظورة.
غفرَ الله للملك عبد العزيز وأسكنه فسيح جناته ووفق أبناءه الذين ساروا على نهجه.
متعب بن صالح بن عبد الله الفرزان - العمارية