أنهى مناقشة رسالة الدكتوراه وطُلب منه بعض التعديلات البسيطة التي قد تستغرق أسبوعين أو ثلاثة. باركت له اجتياز المناقشة وأصبحت أناديه دكتور أو (دووك) رغم عدم تأقلمه مع اللقب الجديد بعد، أو ربما خجله مني حين أُناديه دكتور، وقد تعودت مناداته باسمه المباشر أو اسم الدلع و(العيارة) الحميمية كما هو متعود بين الأصدقاء. حقه أن يفخر باللقب الجديد وواجب عليَّ تقدير مجهوده والتأكد فعلاً أنه لن يزعجه مناداته باسمه مباشرة. تعلمت الحذر هنا من خبرتي مع أحد الزملاء أعرفه منذ أيام الجامعة وأصبح بروفسوراً، ورغم تلك المعرفة الطويلة احتج حين ناديته بالدكتور وليس البروفسور أو الأستاذ الدكتور. الألقاب تعني الكثير لدى البعض وحتى الآن أجزم أن صاحبي الدكتور الجديد ما زال متواضعاً.
سألته عن سير التصحيحات المطلوبة، فأجاب: مقدورٌ عليها، لكن قلقي أصبح في فكرة العودة للوطن. رغم شوقي وحرصي طيلة السنوات الماضية للانتهاء والعودة بأسرع ما يمكن، فإنني حينما اقترب موعد العودة بدأت أفكر بالتفاصيل، أصبحت خائفاً وقلقاً والأرق يزورني بكثرة.. ويضيف: تصور بأنني سأعود أبحث عن منزل سواء بالعمل أو خارجه، وأبحث عن سيارة وربما سائق للأسرة ومدارس لأطفالي الثلاثة تستوعبهم بعد أن درسوا في المدارس البريطانية لمدة أربع سنوات. سأعود للتأقلم مع مجتمعي الأسري الصغير الذي أصبح ينظر لي فيه الإخوان والأخوات بأنني أصبحت شيئاً مختلفاً، عالِماً ومثقفاً ومصلِحاً، ربما. أعود لبيروقراطية العمل التي خبرتها قليلاً قبل البعثة، أطالب بترقية تناسب مؤهلي الجديد وأطالب بسكن مناسب، وأشك في الحصول عليه دون واسطة، وأطالب بمكتب أعمل به، وأطالب ببدلات ربما أستحقها وأتعرف على آليات العمل الجديدة، إلخ. ليس ذلك فقط، لكن يُضاف إليه فتح ملفات العلاج لي ولأسرتي وتجديد بطاقات الأحوال المدنية والجوازات، ومراجعة البنك لأجل القرض وغيرها. يعني أول ما سأحتاجه هو البحث عن المعارف والعلاقات (الواسطات) لتسهيل أموري في مختلف القطاعات.
أول ألمٍ أو لنقل أو كسر لمعنوياتي، هو أنني مهما تعلمت من أنظمة وقوانين يجب عليَّ أن أنساها من أول خطوة ولحظة أعود بها لبلدي الحبيب. هكذا سأعود أبحث عن الأصدقاء والمعارف، وربما حتى الأعداء طالباً المساعدة.. وهل تعتقد أن من يمنحني المساعدة لن يطلبها مستقبلاً؟
ويضيف الصديق بأنني أشعر بالخجل أحياناً أمامكم لأنكم تنظرون لنا بأننا الجيل الذي سيعود لصنع ثقافة إيجابية، فكيف نستطيع صُنع ذلك ونحن نتخلى عن مبادئنا - قناعاتنا - ممارساتنا الإيجابية مع أول تجربة ميدانية؟!
هوَّنت على الصديق بأن لديه عملاً سيعود إليه، وبالتالي فمستقبله في أمان، على الأقل جزئياً، حيث يُمكنه الحصول على قرض مالي يساعده في تجاوز صعوبات البدايات، ولن يشغل باله البحث عن وظيفة مثل باقي المبتعثين الذين لا توجد لهم وظائف بعد. كما هوَّنت عليه بأن لديه أسرة وأولاداً سيدعمون استقراره الاجتماعي، بينما هناك المبتعث والمبتعثة غير المتزوجين وجزء من همومهم الاجتماعية ستكون الحصول على شريك عش الزوجية المناسب.
أُبارك لصديقي الحصول على الشهادة وأُرحب به إلى عالم الواقعية السعودية، الذي قد لا يكون وردياً مليئاً بالعواطف تجاهه، لمجرد أنه حاصل على شهادة خارجية.. وأدعو الجميع إلى الرفق بالعائدين من البعثات الدراسية، فهم عائدون للصدمة الحضارية العكسية. همومهم كثيرة وهم بحاجة إلى الدعم المعنوي والاجتماعي والمادي والمهني، فلا تبخلوا عليهم بذلك. ساعدوهم ولا تجعلوا لحظاتهم الأولى بعد عودتهم للوطن مليئة بالألم والمشاعر السلبية تجاه وطنهم ومجتمعهم.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm