إنّ من أعظم أهداف ميثاق (أخلاقيات مهنة التعليم) السامية تعزيز انتماء المعلم لرسالته ومهنته، فوجود الانتماء لأي مهنة يعتبر ضرورياً من الضروريات للقيام بها على الوجه المطلوب، ولمهنة التعليم يزداد الأمر ضرورة وإلحاحاً، فما يلاحظ من مشكلات وسلبيات تعليمية، وتذمّر بعض المعلمين من أوضاعهم، وتقصيرهم في الأداء من أسباب ضعف انتماء المعلم لمهنته وأدائها على أنها وظيفة وليست رسالة لها تأثيرها ودورها الفعّال في المجتمع، فمهنة التعليم ليست كبقية المهن، وليست - مهنة من لا مهنة له - فهي رسالة الأنباء والمرسلين - وللمعلّم أن يفتخر بذلك - وانتماؤه لها يشجعه على الإبداع والتجديد، ويمنحه القدرة على التغلب على كثير من العقبات والصعاب التي تواجهه، وتعينه على تحمّل تبعاتها وأعبائها، ومن الأمور المعينة على غرس انتماء المعلم لمهنته:
1. معرفة المعلم لفضل مهنة التعليم وقدرها ومكانتها، والأجر المترتب عليها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في حجرها ليصلون على معلم الناس الخير)؛ أي يدعون له بالخير، يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: (فالمعلم مأجور على نفس تعليمه، سواء أفهم المتعلم أو لم يفهم، فإذا فهم ما علمه وانتفع به بنفسه أو نفع غيره كان الأجر جارياً للمعلم ما دام النفع متسلسلاً متصلاً)، فلو لم يكن للمعلم إلاّ هذه الميزة لكانت كافية أن تعزّز من قوة انتمائه لرسالته.
2. استشعار المعلم للمسؤولية وأنها أمانة ملقاة على عاتقه يتوقف عليها مستقبل المجتمع بأكمله، فالمعلم مؤتمن على أهم وأغلى ثروات الأمة، وأعز ما يملكه الفرد والمجتمع، إنهم فلذات الأكباد، وزينة الحياة، وجيل المستقبل، وأي تفريط أو تقصير أو تخاذل ضرره على جميع أفراد المجتمع.
3. القدرة على تحمّل أعباء ومشاق مهنة التعليم ومن لم يستطع تحمّلها فلا يقحم نفسه فيها ويتحمّل ما لا طاقة له به قال الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع
ومن أروع ما قالته المؤلّفة نيلا كونرز في كتابها: أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب (إذا كنت لا تتحمّل الحرارة فاخرج من المطبخ) كي لا تعيش في قلق وتعب وإجهاد وضغط مستمر لا تتحمّله طيلة حياتك، فيتلاشى بسببه الانتماء لأعظم المهن والرسالات.
4. ومن أهم الأمور المعينة على غرس انتماء المعلم لمهنته دور وزارة التربية والتعليم فدورها عظيم، ومسؤوليتها جسيمة في إعطاء المعلم ما يستحقه من حقوق، وإيجاد البيئة المناسبة له للقيام بمهامه وعمله، وإيجاد نظام واضح يراعى فيه سنوات الخدمة، ونصاب المعلم، وما له وما عليه، ومنحه الحوافز التشجيعية، وتوفير احتياجاته الأساسية من تعليم وتدريب وصحة، وفرض أشد العقوبات على من يتطاول عليه بفعل أو قول من داخل المدرسة أو خارجها، فإحساس المعلم بأن ما هو فيه من مكانته الاجتماعية، ومميزات اقتصادية، ورعاية صحية بسبب مهنته سيكون دافعاً لغرس وزيادة انتمائه لها، مما ينعكس على دافعيّته وعطائه داخل الصف مع طلابه.
إنّ من أقوى التحديات أمام المسؤولين في وزارة التربية والتعليم القدرة على غرس الانتماء في نفوس المعلمين والعاملين بالميدان التعليمي بشكل واقعي ملموس يكفل لهم أمناً واستقراراً مهنياً ينعكس على أدائهم وقيامهم برسالتهم السامية.