بعيداً عن المهددات والمخاطر التي يطلقها البعض بشأن المادة المكتوبة أو المطبوعة والمنشورة كمصدر للمعرفة أو منتج فكري وثقافي أو أدبي وفني أو علمي وتاريخي أو سياسي أو اقتصادي.. بعيداً عن تلك المخاطر التي يقال إنها ستسحب البساط من الورقة والقلم دعماً للنشر الإلكتروني تظل المعارض الدولية للكتاب مؤشراً ليس فقط على أهمية الإنتاج المطبوع وتطورات تسويقه والإقبال على اقتنائه من مختلف الفئات الإنسانية كل بحسب اهتماماته ودوائرها المتشابكة، وإنما تعد وبحق حسب ما هو مستقر في معايير التصنيفات الحضارية والمعرفية العالمية مؤشراً على حال المعرفة في هذه الدولة أو تلك..
***
لقد مر ويمر وسيمر الكتاب العربي مثل غيره من مناحي الحياة وأنشطة الإنسان العقلية والعملية بأطوار مختلفة وله صور متباينة، والمتتبع لتاريخ هذا المنتج الهام والمراقب لحركة العرض والطلب في معارض الكتاب المتنوعة والمتعددة يلحظ أن القارئ اليوم يختلف عن قارئ الأمس في الاهتمامات والمتابعات جراء تبدل الأحوال السياسية والاقتصادية والذهنية الفكرية، فالكثير من رواد هذه المعارض يحرصون على اقتناء الجديد الجاد والمفيد المتضمن مادة علمية لا يمكن الحصول عليها من غير هذا المرجع الأم خاصة في ظل وجود التقنية التي تمكن الكل من الوصول إلى المعرفة والحصول على التسلية بأيسر السبل وأسهل الطرق، ولذا كان هناك في هذا المعرض المتميز، والذي يعد من أهم المعارض في الوطن العربي، إقبال شديد على مطبوعات المراكز والمؤسسات البحثية المتخصصة التي تقيس الرأي العام وتعتمد التوثيق وتحلل الواقع بالأرقام وتنظر للمستقبل بالمؤشرات وحسب المعطيات، وارتفع الطلب على المجلات والمطبوعات الصادرة من جامعات وجمعيات علمية مسؤولة عما تنشره..
***
اللافت للنظر عدم الإقبال على الرواية وكتب تطوير الذات كما كان الحال في معرض الرياض العام الماضي حتى أنني تعمدت الكر والفر حول إحدى الدور الخليجية المعروفة في طباعة وتسويق وبيع هذا النوع من الكتب ولم أجد ما كنت أتوقعه سواء من النساء أو الرجال، وقد أرجع هذا الاختلاف إلى نوعية القراء وحجم الدعاية والتسويق سواء مباشرة عن طريق قنوات الإعلان المعروفة أو عن طريق النقل والتشويق الذاتي أو نتيجة الترويج لمنع هذه الرواية أو هذا الكتاب لتجاوزه الخطوط الحمراء الدينية أو الجنسية أو السياسية..
***
لقد كانت ثقة القارئ العربي بالمنتج الخليجي سواء الثقافي أو الزراعي أو الصناعي أو... ضعيفة جداً حتى وقت قريب بل إنه آخر ما يشتري ويقتني ويقرأ الكتاب الذي كتبه كاتب من هذه الديار أو أن دار النشر موجودة على أرض سعودية أو قطرية أو كويتية أو... الأمر الذي جعل الكثير يطبع ما كتبه في الخارج ويكتفي باسمه الثنائي حتى يسهل عليه التسويق غالباً وربما لحاجة في النفس ليس هذا مكان الحديث عنها، ولكن الجدة والتميز قلبت الموازين بصورة عامة فصار هناك إقبال على الكتاب الخليجي الموثق والمعتمد على الرصد والتحليل والقراءة المستقبلية الناضجة.. وهذا مؤشر إلى انتقال القراء من القراءة الترفيهية التي هي في النهاية نوع من التسلية إلى القراءة الواعية الجادة ذات الأثر المباشر في تكوين عقلية القارئ ونظرته للأحداث ومعرفته لما في عالمه الذي يقطنه من تحديات وتغيرات، وهذا التوجه الذي أحسبه إيجابياً ويجب الحرص على استمرارة وتغذيته ونموه يوجب على الكتّاب الشباب المولعين بالتأليف الحرص على جودة منتجهم كما يوجب على دور النشر طباعة الجيد الجديد بعد إقراره من قبل لجنة علمية متعاونة مع الدار..
***
الغريب أن مطبوعات بعض الجامعات السعودية على وجه الخصوص - وللأسف الشديد - لم تستطع الصمود في سوق المنافسة ولا زالت بعيدة عن اهتمام القارئ للكتاب العربي نتيجة اقتصار هذه الجامعات على طباعة الكتب التخصصية أو رسائل الماجستير والدكتوراه التراثية والعلمية الصرفة ذات اللغة الجامدة مثلها في ذلك مثل مطبوعات الأندية الأدبية السعودية!!
***
أعجبني في معرض الشارقة الاهتمام الحقيقي بالطفل وكثرة الدور المشاركة المتخصصة بهذا النوع من التأليف والحضور الكثيف لطلاب المدارس من مختلف مدن الإمارات العربية المتحدة وقراها وبأعمار متعددة.. دمتم بخير وكل عام وأنتم سعداء وفي أحسن حال وإلى لقاء والسلام،،