تابعت وما أزال أتابع ما ينشر عن موسم الحج لهذا العام، وتعقيباً على ذلك أقول:
لفت نظري مشهد (الدبابات) التي قامت بدور مكمل لوسائط النقل الأخرى التي تولت نقل الحجاج بين المشاعر، وهو دور مجهول القدر لدى البعض، وأنا منهم، إلى أن وجدت نفسي ورفيقة حجي أم العيال رديفين لأحد سائقي هذه الدبابات من الشباب المحترفين، الذي قام بإيصالنا من العزيزية إلى بداية عرفة خلال دقائق، بعد أن تعذر علينا دخول عرفة عن طريق أحد الباصات المرخص لها بالتنقل في المشاعر. وهذه الخدمة - أعني خدمة الدبابات - ينبغي الاهتمام بها، وحبذا لو وُجد مسار خاص لها.
كما كان للقطار الدور البارز في تنقلات الحجاج بين المشاعر في وقت قياسي، ودون تكلفة تُذكر، لكن يلاحظ عدم استخدام سوى عدد قليل من عربات نقل ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن عبر المنحدر الممتد من محطة القطار إلى ممشى الجمرات، مع وجود عشرات العربات الكهربائية المتوقفة بجوار المحطة.
وبالنسبة لبرادات المياه فهي متوافرة بأعداد كافية، وهي خدمة أساسية يحتاج إليها الحجاج في مقار إقاماتهم بالمشاعر وفي تنقلاتهم من مشعر إلى آخر سيراً على الأقدام في أجواء المشاعر المشمسة التي تسبب العطش.
ثم إن مشروع الجمرات العملاق الذي قضى على الازدحام وسهل على جميع الحجاج، بمن فيهم الضعفة وكبار السن، الرمي بأنفسهم، وفي جو مريح، تم تظليله عن أشعة الشمس وتبريده بواسطة المراوح التي تنفث الهواء المشبع بزخات المياه الباردة.
وباختصار شديد.. فقد تقلصت بشكل كبير كل مصاعب الحج بفضل الخدمات والمشروعات التي سهَّلت على الحجاج أداء مناسكهم، والتي شملت كل المشاعر، وتفرغ الحجاج للذكر والعبادة والثناء على جهود المملكة والمسؤولين فيها، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وسمو ولي عهده الأمين اللذين كانا يتابعان مسيرة الحجاج عبر الشاشات الخاصة، ومنها شاشة الملك عبدالله التي أبرزتها صحيفة الجزيرة في صفحتها الأخيرة بتاريخ 11 ذي الحجة ضمن مبادراتها الإعلامية المميزة.
وفي المقابل هناك بعض المشاهد غير الجيدة التي لا أجد حرجاً في الإشارة إليها سعياً لتلافيها في حج الأعوام القادمة حرصاً على سمعة بلادي والمسؤولين فيها، ومن هذه المشاهد:
أولاً: تجمع عرفة الذي شهد أكبر عملية توزيع مجانية للأطعمة والمشروبات ربما على مستوى العالم، لكن هذه الأطعمة والمشروبات ما لبثت أن تحولت إلى فضلات غطت أرضية عرفة، ليس مرة بل مرات عدة لعدم وجود عمال نظافة أو حاويات مخلفات؛ ما تسبب في عرقلة حركة سير الحجاج عند النفرة، خاصة المتوغلين منهم داخل عرفة.
ثانياً: مشهد الازدحام الشديد حول دورات المياه ووقوف الحجاج في طوابير انتظار طويلة، اضطرت بعضهم إلى قضاء الحاجة خارج هذه الدورات؛ ما يستدعي توسعة هذه الدورات وزيادة عددها والاهتمام بنظافتها من النفايات التي تكدست حولها وبداخلها منذ اليوم الأول، والاهتمام بصيانتها؛ حيث لوحظ أنه إذا تعطل محبس بقي مغلقاً أو مفتوحاً على الدوام، يسرب المياه بكميات هائلة، والواجب أن تضع الجهة المسؤولة عن صيانة هذه الحمامات أرقام هواتفها على الجدران للاتصال بها عند الحاجة. وما يقال عن تكدس القمامة وقلة النظافة في دورات المياه يقال عن تكدس القمامة وقلة النظافة في ساحات مزدلفة وشوارعها وما حولها.
ثالثاً: عدم تنظيم دخول الحجاج القادمين من عرفة إلى مزدلفة عبر طريق المشاة؛ ما تسبب في حالة افتراش مبكرة تسببت في إغلاق الطريق على جموع الحجاج، ومنعتهم من الوصول إلى الساحات الداخلية المعدة لمبيتهم؛ ما نجم عنه حالة احتشاد وتدافع واسعة النطاق؛ حيث لا تسمع إلا أصوات المحتجزين من الحجاج الواقفين على أقدامهم طوال الليل، لا يستطيعون الخروج أو التقدم أو التأخر أو حتى الجلوس خشية الدهس أو الاختناق.
أرجو أن تجد هذه المشاهد التي وصفتها بغير الجيدة ما تستحقه من اهتمام المسؤولين، وأقول غير جيدة مقارنة بالمشاهد الجميلة الأخرى التي هي الصفة السائدة في حج هذا العام.