أثار إعجابي قرار وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ألا يمارس أعيان المجتمع ما اعتادوا عليه من نشر صفحات تهنئة بتعيينه وزيراً. رسالة مباشرة منه أن الولاء لا يتأكد عبر صور وكلمات منشورة، وأن توجه الوزارة هو العمل في صمت لتحقيق شغلها الأهم، وهو الأمن العام من منطلق: لا يمكن أن يكون هناك شعور بالمواطنة في غياب الشعور بالأمن. صدق، وبهذا المنطلق نفسه أدعو له بالتوفيق الشامل في بضع كلمات مخلصة: قواك الله على تثبيت الأمن في هذا الوطن، وحماك، وحمى الوطن من غدر المترصدين والمتضررين من تثبيته.
ولصاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز تحية تقدير ذاتية خاصة لرقي مرئياته، خاصة لما أعرفه شخصياً عنها فيما يتعلق بموقع المرأة في المجتمع، وتمكينها بصورة مباشرة وضمنية للقيام بدورها في بنائه بمحتوى فاعل وإيجابي. نبل قراراته الآن ومن قبل سيمتد - كما أحدس بحسي التخصصي - إلى المستقبل، ويدعو للتفاؤل به وبها في كل زمن وموقع.
وفي زمن تبدو فيه المنطقة والجيرة كلها تتقاذفها أكف عفاريت, حمانا الله والوطنَ من عفاريت الجن والإنس والقوى الكبرى والمصالح الخاصة.
كلنا يطلب وطناً مثالياً، وقد لا نتفق على مواصفات المثالية التي نتطلع إليها، ولكن الأمن مطلب مشترك, لا يستهين به أو يترصده إلا مستفيد يرغب في أن يرقص مبتهجاً بدمار عام لأنانية في نفسه. وهؤلاء يتكاثرون كالطحالب في أزمنة المعاناة حين تتعكر النفوس بغياب الوئام والشعور بالأمن فردياً أو فئوياً. وهناك إطار حضاري مشترك: الوطن المثالي رؤية مطلوب فيها الاتضاح على مستوى القيادة الواعية, والتطبيق المخلص للقوانين العادلة, والالتزام عند التنفيذ من المسؤولين, والوعي بمصيرية الالتزام بثقافة الممارسة الصحيحة, والإخلاص على مستوى فئات الشعب.
هل يبدو هذا مطلباً مثالياً لوطن صعب المنال على أرض الواقع؟ قد يكون، خاصة في وجود من يؤجج الفُرقة وينادي بالإقصاء, أو يركز على الانتقاد بينما هو في ممارساته أبعد الناس عن المثالية, أو دون أن يقدم حلولاً معقولة لفك التأزم.
ومع هذا فالحلم بالأوضاع المثالية علامة إيجابية، وانشغال الناس بمواصفات الوطن المثالي تفكير بنَّاء؛ كل مجتمع مر بفترة بناء أو فترة انحطاط أو ضَعْف، أو تراجع في قيمه الوجودية, يعاود مثقفوه التفكير والحلم بكيفية الارتقاء إلى المثالية. ولا أشك أن لوزير الداخلية الجديد حلمه، وهو المتمرس في تأزمات تثبيت أمن الوطن.
تبقى حقيقة مثبتة تاريخياً: أن كل مشروع ناجح - بما في ذلك تأسيس الدول، بل الأمم الممتدة - ابتدأ بحلم. وهذا واضح من دراسة تاريخ الحضارات والدول. قيام دولة من مكونات مجتمعية وسياسية واقتصادية متعددة هو حلم شاهق، يحققه مؤسس قدير. أما قيادة الدولة بحكمة وتوجُّه مستقبلي بناء فهو المطلوب؛ لكي يتحقق الحلم في مشروع مستدام، وديمومته متعلقة بشعور القائد بأنه مسؤول, وشعور المجموع بأن المشروع الوطني مشروعهم بقدر ما هو مشروع الحاكم. يحدث هذا حين مميزات الانتماء ومصالحه يتمتع بها الجميع، ولا تخضع للضغوط الفردية أو الأنانية الفئوية النخبوية والإقصائية.
بتحقق مثل هذا القائد المثالي يشعر المجموع بأن المشروع مشروعهم، ويساهمون في إنجاحه وديمومته.