في إبريل من عام 2009 ميلادياً ضرب زلزال مدينة (لاكويلا) في إيطاليا، ذهب ضحيته ثلاثمائة فرد. بعد ذلك التاريخ بثلاث سنوات انتهت محاكمة سبعة من علماء الجيولوجيا عن ذلك الزلزال، بتهمة القتل غير العمد،
.. وصدر بحقهم حكم بالسجن لمدة ست سنوات. وقد استندت المحكمة في حكمها إلى فشل العلماء - عند استشارتهم قبل ستة أشهر من حدوث الزلزال - في تقديم مشورة علمية، قالت المحكمة إنها (ناقصة، وغير دقيقة، ومتناقضة).
وصدور ذلك الحكم في حق العلماء تسبَّب في تساؤل في صورة اعتراضات شديدة، انتشر في الوسط العلمي: هل كان الحكم بالسجن نتيجة فشل العلماء في توصيل المشورة الصحيحة إلى الجمهور؛ ليتخذ الاحتياط اللازم؟ أم كان الحكم الصادر على العلماء نتيجة فشلهم في التنبؤ الصحيح عن احتمال وقوع الزلزال؟ أم السببان معاً؟..
ومهما كانت أسباب صدور الحكم، وما إذا كان المجتمع العلمي سيجدها مقبولة، فإن المجتمع العلمي يجمع، وكذلك عامة الجمهور، على أن سوء تفسير المشورة التي أصدرها العلماء تسبب في خسارة في الأرواح، كان يمكن تفاديها بالإنذار المبكر..
وفي مجال العلوم والتقنية يسهل الربط بين الجديد من النظريات العلمية وتطبيقاتها مع سابقتها؛ نظراً إلى أن التطور العلمي هو عملية تراكمية، أي عملية استكمال لبنيان سابق..
بينما في العلوم الدينية نرصد أمثلة عديدة في حياتنا المعاصرة، تشهد تضارباً في تفسير الفتوى الفقهية، أو عدم دقتها، أو تناقضها مع تفسير فتاوى فقهية أخرى، أو انتهاء صلاحيتها، بما يجعل من المستحيل تطبيقها على أرض الواقع..
لقد أصبح هناك ضرورة تقتضي عند صدور الفتوى الجديدة الإشارة إلى الفتوى المنسوخة؛ ليعلم الناس انتهاء صلاحيتها..
ومع مستجدات العصر الحديث تظل الحاجة دائمة إلى تجديد الفتاوى؛ لمواكبة سرعة التغيير في مختلف مناحي الحياة. وخير علاج لتفادي تخبُّط الجمهور بين تفسير فتوى (قديمة وجديدة) لقضية متطورة هو تأسيس بوابة إلكترونية، يمكن دخول الجمهور إليها؛ لمعرفة (الناسخ والمنسوخ) بين آلاف الفتاوى..
فالتجارب العملية تشهد بأن الفتوى الاجتهادية تعجز عن أن تكون صالحة لكل زمان ومكان، وخير من يعترف بذلك هو رجل العلم.
الخلاصة: هناك أصوات تعارض فكرة محاكمة العالم في علمه؛ بحجة أن مثل هذه الأحكام القضائية في حق العلماء قد تجعل كثيراً منهم يسكت عن قول الحق، ولكن في المقابل الكثير من النخب وقادة الفكر يرفضون أن يكون الاختصاص العلمي درعاً يحتمي وراءه العالم؛ تجعله في مأمن من سوء تفسير الفتوى التي يطلقها؛ فإن كان الأثر المترتب على الفتوى حسناً فهو بسبب فتواه، وإن كان الأثر المترتب سيئاً فهو بسبب سوء التفسير والتطبيق..
ومن النادر جداً أن تسمع عن تراجع أحد من العلماء عن فتواه، أو اعتراف بسقطاته العلمية، بل على العكس من ذلك، هناك انطباع سائد بأن العالِم لديه من المبررات الاجتهادية التي تجعله يكابر ويثبت على تلك الفتوى التي خرجت من رحم اجتهاده، مهما كانت البينة عليه، أو مهما تبين الحق في بطلان فتواه، والضحية دائماً هم التابعون المغرر بهم، أو من تبعهم بجهالة.
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji 1