في مفاجأة من عيار ثقيل جداً، قدَّم الجنرال الشهير ديفيد بترايوس استقالته من إدارة الاستخبارات الأمريكية (السي آي إي). والجنرال شخصية كبيرة تحظى باحترام أمريكي ودولي كبير، فقد كان في قلب الأحداث منذ أحداث سبتمبر 2001، وتقلد مناصب عسكرية كبرى، كان أهمها قيادة القوات الدولية الموجودة في العراق، وكذلك في أفغانستان، كما كان قائداً لكل القطاعات العسكرية الأمريكية الموجودة في منطقة آسيا والشرق الأوسط، ويُنسب له الفضل في إدارة انسحاب القوات الأمريكية من العراق، فهل هو عسكري متميز وحسب؟!
الحقيقة هي أن هذا الجنرال حاصل على أعلى الشهادات الأكاديمية أيضاً، فقد حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة برنستون الشهيرة، ويُعدُّ من القلة التي تجمع بين التأهيل العسكري -إذ هو خريج أكاديمية ويست بوينت الشهيرة والعريقة في نيويورك- والتأهيل الأكاديمي كما أسلفنا، ولذا كان المحللون يتحدثون عن إمكانية ترشحه للرئاسة الأمريكية في الانتخابات القادمة 2016، خصوصاً وأن الحزب الجمهوري - الذي ينتمي له - يعيش أسوأ مرحلة في تاريخه، وبإمكان شخصية محترمة أن تعيد لهذا الحزب شيئاً من وهجه، كما حصل في عام 1952، عندما أعاد الجنرال ديويت إيزنهاور- أشهر القادة العسكريين في الحرب العالمية الثانية - الوهج لهذا الحزب، بعد أن ترشح للرئاسة وفاز بها، وحكم لمدة ثماني سنوات، ولكن الأمور انقلبت رأساً على عقب.
الغريب أن الذي كشف عن فضيحة الخيانة التي أطاحت بمدير الاستخبارات الأمريكية هي المباحث الأمريكية الداخلية (اف بي آي)، ولا يعرف أحد على وجه الدقة ما إن كانت المباحث قد اكتشفت الأمر بالصدفة، أم أنها أجرت تحقيقاً خاصاً لهذا الغرض. ولكن المؤكد أن هذه الفضيحة قضت على مستقبل هذا الجنرال، كما قضت على مستقبل كثيرين قبله، مثل السياسي البارع قاري هارت، المرشح عن الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة لعام 1988، والذي قضت صورة مخلة له على شاطئ البحر مع الراقصة ديانا رايس على مستقبله السياسي قبل أن يبدأ. ولعل كثيرين يتساءلون عن سبب استقالة الجنرال، أو إقالته إن صح التعبير؟
إن حساسية المنصب الذي يتسنمه مدير الاستخبارات يقتضي أن لا تكون له أي علاقة مشبوهة، ناهيك عن أن تكون هذه العلاقة ذات صبغة عاطفية مع امرأة مجهولة، لأن من شأن هذا أن يسهل ابتزازه، وهو ما يعرض الأمن القومي للخطر. والجدير بالذكر أن هناك من يؤكد أن القانون يجرم مثل هذه الأفعال، وبالتالي يطالب بمحاكمة الجنرال باتريوس محاكمة عسكرية، وستكشف الأيام القادمة كثيراً من التفاصيل حول هذا الأمر. ولعلي أذكركم هنا بأنني سبق وأن أشرت في مقال سابق إلى مقولة لها ما بعدها، كانت وردت على لسان هذا الجنرال قبل سنوات، إذ سأله الصحفي الشهير في جريدة الواشنطن بوست ريك اتكنسون أثناء غزو العراق في عام 2003 قائلاً: «إلى أين سينتهي هذا الأمر؟»، يقصد التحركات العسكرية في منطقتنا العربية، فأجاب الجنرال بأربع كلمات فقط قائلاً: «ثماني سنوات، وثماني تقسيمات!!»، وأترك لكم الفرصة لتحللوا - بعمق شديد- هذه العبارة الموجزة جداً!.
فاصلة: «(الصدق) هو الفصل الأول في كتاب الحكمة»... توماس جيفرسون.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2