عندما يصرّح القائد العام لقوات الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري، بضرورة تعزيز قدرات إيران الدفاعية في الخليج، قائلا: «إن تدشين القاعدة الخامسة البحرية في ميناء لنجة، يأتي ضمن إستراتيجية إيران؛ لتعزيز قدراتها العسكرية في الجزر الثلاث، والمياه الإقليمية في الخليج»، فهل يعني هذا: أن أمن الخليج هو نظرية إيرانية، تسعى إلى إبقاء الأمور كما هي؛ تحقيقا لمصالحها، ويعطيها الشرعية في استيلائها على الجزر الإماراتية الثلاث؟ الأمر، الذي سيؤدي معه إلى تعقيد المشكلة، والتقليل من فرص حلها، - خصوصا- أن ادعاءات إيران سياسية بحتة، لا تتخذ الصفة القانونية، باتفاق خبراء القانون الأصوليين.
يبدو، أن إيران لا تزال مستمرة في تجاوزاتها، واستفزازاتها الدورية لدول الخليج العربي، ولدولة الإمارات - بشكل خاص-، رغم أن الحقائق الجغرافية، والتاريخية، تثبت تبعية الجزر الثلاث للإمارات، وأن احتلال إيران لها، يحمل في طياته أهدافا إستراتيجية، واقتصادية؛ تحقيقا للمشروع الإيراني الواضح في رؤيته، والهادفة إلى بسط نفوذها على الخليج العربي.
في كتابه: «خفايا علاقات إيران، وإسرائيل، وأثرها في احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث»، يوضح الدكتور جاسم إبراهيم الحياتي أن: الاحتلال الإيراني للجزر العربية الثلاث جاء تحت ذرائع، ومبررات نظرية واهية، لا تملك مقومات الصمود أمام الحقائق التاريخية، والقانونية، التي تؤكد - كلها - أحقية دولة الإمارات العربية المتحدة في هذه الجزر. وتزامن الاحتلال الإيراني للجزر العربية الثلاث، مع انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي، وشرقي السويس؛ مما يؤكد حقيقة الترابط بين ضمان المصالح الغربية في المنطقة، من جهة، وتوكيل إيران بالدور الذي كانت تقوم به بريطانيا قبل انسحابها، من جهة ثانية. فأضحت إيران الشاه، هي المكلفة بأداء الدور الإقليمي لدولة كبرى، تراجعت في ظل متغيرات عدة إلى دولة ثانية، فاستلزم ذلك تغيير الإستراتيجية الغربية، وتكليف إيران بمهمة الدولة الحامية للمصالح الغربية، وضمان تدفق النفط إلى الدول الأوروبية، وكان ذلك منسجماً مع طبيعة الأهداف الأمريكية بالدرجة الأولى. ولقد أسهمت إسرائيل، ومعها الدول الكبرى الأخرى، مثل: الولايات المتحدة، وبريطانيا - تحديداً -، في دفع إيران؛ لاحتلال الجزر العربية الثلاث، كجزء من مخطط واسع، استهدف شغل العرب بصراع جانبي؛ لكي لا يتفرغوا لصراعهم الأساس في فلسطين، من جهة، فضلاً عن إضعاف إمكاناتهم وتشتيتها، بدلاً من توحدهم في مواجهة الكيان الصهيوني، من جهة ثانية. وبهذه الطريقة، يضمن الصهاينة والدول الكبرى إضعاف العرب، ومنعهم من تحقيق مشروعهم النهوضي الحضاري.
أعتقد، أن الإطار القانوني الصحيح، هو الاتجاه إلى محكمة العدل الدولية؛ لاستعادة الجزر الثلاث، وفق مبدأ التسوية السلمية للنزاعات الدولية، ومؤدى هذا المبدأ: أن على الدول واجب فض منازعاتها الدولية بالطرق والوسائل السلمية، على وجه لا يجعل السلم والأمن الدوليين عرضة للخطر، فمنذ أن بدأ المجتمع الدولي الاتجاه نحو نبذ القوة كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية، وهو يفتح السبيل ويمهد أمام الدول لحل منازعاتها، على نحو لا يضطر معه لاستخدام القوة، ولا يتعرض معه الأمن والسلم الدوليين للخطر.
إن الوثائق والحقائق التاريخية والجغرافية تؤكد: أن السيادة على الجزر الثلاث كانت منذ أقدم العصور ولا تزال لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولم يغير الاحتلال العسكري الإيراني لهذه الجزر من وضعها القانوني. وهو ما ينص عليه القانون الدولي، من أن الاحتلال الناجم عن استخدام القوة لن يعطي الدولة المحتلة سيادة على الإقليم المحتل - مهما طال الزمن-، وأن الاحتلال الإيراني لتلك الجزر، وما تلاه من إجراءات، وتدابير، يتناقض مع مبادئ الميثاق وأغراضه، ويتنافى مع مبادئ القانون الدولي، وبالذات احترام استقلال وسيادة الدولة ووحدة أراضيها وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونبذ اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها وحل النزاعات بالطرق السلمية.
ولأن الخطاب السياسي الإيراني لا يزال يؤكد على تبعية الجزر الثلاث لها، من جهة، ومن جهة أخرى، ادعاءات المسؤولين الإيرانيين حول رغبتهم في إنهاء المشكلة سلميا، وهما قراءتان متناقضتان، يصعب على المراقب العادي إيجاد تفسير منطقي له؛ لتقاطعه مع مبادئ الميثاق الدولي، وأغراضه، ومبادئ القانون الدولي، خصوصا احترام استقلال الدول ووحدة أراضيها وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فإن الموقف الخليجي المؤيد والداعم لدولة الإمارات في نزاعها مع إيران، ينطلق من حقائق ثابتة، وهي: أن الأرض العربية - حيثما كانت - فهي ذات قدسية واحدة، ومن حقيقة: أن الأمن القومي العربي هو كلّ متكامل، وأن تهديد أو احتلال أي جزء من التراب العربي هو -بالتالي- تهديد لأمن، وسيادة الأمة العربية -كلها-.
drsasq@gmail.com