لم تعد قضايا التلوث البيئي مجرد كماليات غير ضرورية في المجتمع، لكن عدم الاهتمام بها أصبح مصدراً للأمراض والكوارث البيئية، وإذا لم تتحرك الجهود لمواجهة الأخطار القادمة، سنكون في أزمة لا يمكن الحد من أخطارها بقرار عاجل، وربما تجاوزت مدينة جدة كارثة بحيرة المسك أو مستنقع الموت كما كانت حقيقته، لكن ذلك المنظر الكارثي مهيأ للحدوث في مختلف مدن المملكة ما لم تستعد وزارة المياه لتلك المرحلة، وقبل ذلك أن يتحمل كل مسؤول تقصيره في تنفيذ الخطط الإستراتيجية المعدة من لجان التطوير في المدن، وأن تكون هناك جهات مستقلة تراقب تنفيذ تلك المشاريع الحيوية لحياة الإنسان في القرية أو المدينة ومراعاتها للمقاييس الحديثة في معالجة مياه الصرف الصحي.
على سبيل المثال كانت ريحة جنوب الرياض مصدراً للتندر والطرافة في المشاهد الكوميدية، بينما تعتبر تلك الرائحة شاهداً على وجود كارثة بيئية في العاصمة في ذلك الوقت، وعلى الرغم من توصيات لجان الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لمعالجتها، لا زالت الجهود بطيئة ومتأخرة نسبياً لإيقاف تسارع التدهور البيئي في جنوب المدينة، وربما يكتفي بعض المسؤولين بالتحذير من استخدام مياه نهر الحاير الملوث والمعالج جزئياً في زراعة المحاصيل الزراعية، وتركوا للطبيعة إيجاد الحل للمياه التي تجري في مسار أشبه بالنهر، وقد أُطلق عليه بالفعل اسم نهر الحاير، وفي نهاية المسار لا تجد تلك المياه سبيلاً إلا النفاذ إلى أعماق الأرض، لتكون مصدراً جوفياً للتلوث، وخطراً منتظراً للأجيال القادمة.
في كثير من أحياء المدينة المزدحمة بالسكان، نفذت وزارة المياه مشاريع عملاقة للصرف الصحي، وأصبحت المياه لها مجار تصب في جنوب المدينة، والمؤكد أن تدفق المياه الملوثة تضاعف إلى عشرات المرات، في حين ظلت بعض محطات معالجة المياه المتلوثة على حالها منذ عشرات السنين، أي تعالج المياه ثنائياً، وهي مرحلة لا تعالج تلوث هذه المياه، بينما وصلت خطط معالجة المياه الملوثة في دول مجاورة إلى (ثلاثياً ورباعياً)، ففي دولة الكويت نجحت مشاريع المعالجة الجديدة في إيجاد مصدر بديل للمياه، وذلك بعد أن وصل إنتاجها من المياه المعالجة من النوعين الثلاثي والرباعي إلى أكثر من 650 ألف متر مكعب يومياً، وقد استخدمت في زيادة المسطحات الخضراء.
أدرك جيداً حجم المتابعة والاهتمام من قبل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وعن وجود خطط واهتمام لتأهيل وتحسين الوضع البيئي والحضري جنوب مدينة الرياض، وعن المخطط الهيكلي المعدل لجنوب مدينة الرياض، واعتبارها مرجعاً رئيساً لكافة أعمال التخطيط والتطوير لجنوب الرياض، وقد تم التوجيه بتشكيل فريق عمل دائم يختص بمتابعة تنفيذ البرنامج من قبل الجهات المعنية بالخطة، ونقدر كثيراً الجهود المبذولة لبدء إجراءات نقل مصانع الأسمنت، ولكن ربما تبدو المشكلة في برامج التنفيذ، إذ لا يمكن أن تستطيع شركة المياه الوطنية أن تقوم بمهمة تنفيذ مشاريع المياه ومعالجتها في دولة في حجم قارة، وذلك بعد أن أصبحت هي الجهة التنفيذية الوحيدة في وزارة المياه لإكمال مشاريع مياه الشرب ومعالج مياه الصرف الصحي، وحين أقرأ عن خطط مشاريعها في مختلف مناطق ومدن وقرى المملكة أدرك صعوبة المهمة واستحالة مراقبة تنفيذها.
وإذا كانت الحلول لا بد أن تأتي عبر شركة للمياه، فكل مدينة في المملكة تحتاج إذن إلى شركة مياه لمهمة تنفيذ ومتابعة مشاريع مياه الشرب ومعالجة مياه الصرف الصحي، وبالتالي فتح الباب أمام التنافس بين المدن في إيجاد الحلول العصرية لتطوير أنظمة مياه الشرب وبرامج معالجة المياه، ولكن من خلال هذه المركزية المحدودة الإمكانيات إدارياً، قد تتسع أحجام بحيرات مياه الصرف الصحي غير المعالج أو المعالجة جزئياً إلى أضعاف مضاعفة، وعندها لن تجدي الحلول العاجلة وخطط التكاليف العالية..
في نهاية الأمر لا بد من إيجاد حلول نموذجية في وقت قياسي لمعالجة مياه الصرف المعالجة جزئياً والمتدفقة في نهر الحاير، وأن نبدأ قبل فوات الأوان في بدء تنفيذ مشاريع المعالجة الثلاثية والرباعية في مختلف مناطق المملكة، ومن ثم الاستغلال الصحيح للمياه المعالجة في توسيع المسطحات الخضراء، وبالتالي إحداث التغيير الإيجابي في بيئة الوطن.