قد نتفق سوياً على أن السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية لا تتبدل بتغير الرئيس سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً، ولن تطرأ تحولات تذكر بعد نتائج الانتخابات سوى تغيير بعض الوزراء وإجراء أعمال ديكور للمكتب البيضاوي!! أما فيما يتعلق بالملفات العالقة كالقضية الفلسطينية والإيرانية فإنها ترتبط بسياسة تصنعها مؤسسات وشبكات ومصالح مالية واقتصادية ثابتة لا تتغير.
وسواء فاز أوباما أو رومني فكلاهما وجهان لعملة واحدة اسمها أمريكا! ولنتفق مجدداً على أن أمريكا فازت على نفسها بانتخابها رجلاً من أصول إفريقية وهي التي اضطهدت السود ردحاً من الزمن، مما يشير لبوادر انفراج فكري بالعالم أجمع، وهو الاعتراف بالآخر المغاير بحسَب ما يقدم نفسه ويسوقها فحسْب.
إن نجاح أمريكا الحضاري سواء بريادة الفضاء أو بالصناعات الضخمة من طائرات وسيارات ومعدات وأسلحة وأدوات وأجهزة تقنية وأثاث وعلوم مختلفة، كل ذلك لا يوازي التقدم الحضاري والارتقاء الفكري الذي تسجله في صحائف التاريخ، مما يجعل شعوب العالم تتطلع لأمريكا الأرض بالإكبار، ولأمريكا الإنسان بالغبطة وشيء من الغيرة برغم ضآلة العمق التاريخي لهذه الدولة العجيبة.
كانت الانتخابات الأمريكية بالمنظور الاجتماعي تمثل بُعداً إنسانيا أكثر منه سياسياً، إذا علمنا أن من ضمن الاعتبارات التي جرت بها الانتخابات التاريخ الشخصي لكلا المنتخبين، حيث ينحدر أوباما من أسرة فقيرة، فنشأ يتيماً وعصامياً، بينما تربى رومني في أسرة أرستقراطية غنية، حيث كان والده سيناتوراً سابقاً.. وهو ما يشير أيضاً إلى الواقعية في الاختيار وقرب الرئيس من متوسطي الدخل ومحدوديه، بل ومعدوميه.
ما يضاف على جماليات الانتخابات تلك التلقائية والبساطة التي تمتع بها الرئيس أوباما فضلاً عن النظافة الأخلاقية طيلة مدة رئاسته السابقة، حيث ما فتئ يُثبت لشعبه أن الحميمية والدفء الأسري هما صماما الأمان للشخص العادي وكذلك رئيس البلاد، وكثيراً ما يظهر مع زوجته وابنتيه دون الزج بهن لمعمعة الحكم وبلبلة الأحكام وتشويش السياسة.
وبقدر ما يحتاج الرئيس والزعيم لمستشارين ومعاونين فهو بحاجة لأسرة محبة له ومحترمة جداً للشعب، فقد ظهرت صورة معبرة كان فيها الرئيس مع أسرته يحيي منتخبيه أمام المنصة، وهو بنشوة النصر والفوز، وما كان من ابنته المهذبة إلا أن اقتربت من والدها وأسرّت له بالانتباه لمن هم خلف المنصة، فالتفت لهم محيياً وضجت الساحة بالتصفيق للرئيس وابنته اللطيفة.
ما أعجبني أثناء الانتخابات الأمريكية السعي لتأصيل الاحترام بين الأشخاص المتنافسين، حين كان المرشح الجمهوري رومني يردد أثناء المناظرات الحادة بينهما عبارة (سيدي الرئيس) برغم قسوتها عليه كمرشح شرس تزداد نقاطه صعوداً ويختال فيها لاسيما حينما كانت الأصوات تتقارب بينهما.. وطالما كانت هذه الميزة في أي مجتمع فهو يرتقي بسلم الحضارة والرقي والفوز.
شكراً أمريكا، برغم قسوتك في الحروب وبطشك ورعونتك، إلا أنك فاتنة ساحرة مذهلة.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny