كان شاباً ذكياً وفتى ألمعياً زاملته في إحدى مراحل الدراسة، وقد علق عليه والداه آمالاً كبيرة وأماني عراضاً مما وّلد عليه ضغطاً نفسياً رهيباً حيث تشكلت لديه معتقدات ملحة وأفكار مسيطرة من قبيل (يجب أن أكون الأول ولابد أن أدخل كلية الطب)، وهي ما يسمى بـ(الأفكار القهرية) أو بـ(استبدادية الوجوب) حيث تملكته جملة من تلك الأفكار والتي كانت سبباً مباشراً في توعر أموره وتعسرها والنتيجة كانت إعاقته عن مواصلة دراسته.. ومن أمثلة هذا المسار الفكري غير السوي ما يفكر به بعض النساء من قبيل أن الزوج لابد أن يأخذ زوجته للتنزه ويجب أن يفهم نفسيتها وينبغي أن يتفاعل دوماً مع مشاعرها وتلك امرأة قد استوطن هذا النمط فيها من الأفكار القهرية وهو ما يفهم من كلمات (ينبغي، يجب، لابد).
للسعادة في الحياة وكذلك النجاح فصول تنوعت بدايتها، وتكررت مشاهدها، وحسمت نهايتها. فالقلق يجد في بساطة التفكير وسطحيته موطناً وطياً، ومركباً شهياً ومن هذا التفكير بأسلوب (اليجبات) وغيرها من الأساليب ذات الطابع الوجوبي التي يفرضها بعض الناس على نفسه ومن حوله وهو ما سمته الطبيبة النفسية كارين هومي بـ(القواعد الاستبدادية) والتي تولد مشاعر ضاغطة تفرز في النهاية شعوراً بالذنب ومعه مشاعر غضب على الناس والحياة عموماً، فالذي يحوّل ما يتمنى أن يصل إليه إلى مطلب ملح لابد أن يتحقق دون خطط بديلة وبلا مرونة يؤذي نفسه ويضعف من نفسيته بحيث يكون غير قادر على مواجهة الحياة أو ضغوطاتها وكذلك تجد حصانته تضعف كثيراً ضد انكسارات الحياة وأزماتها بسبب تلك القائمة الطويلة من القوانين التي تفتقد للمرونة، لذا تجد أصحابها يدمنون تصيد أخطاء الآخرين ويتجرؤون على إصدار الأحكام عليهم! وقد قرر علماء النفس أكثر القواعد الإلزامية شيوعاً وبعداً عن المنطق وهي:
* يجب أن أوجد حلاً سريعاً لأي مشكلة تواجهني.
* يجب أن أكون مثالياً في كافة أدواري في الحياة.
* ينبغي أن لا أشعر بالألم مطلقاً ولابد أن أشعر بالسعادة دائماً.
* يجب أن لا أخطئ أبداً.
* من الضروري أن يكون أحسن الناس هيئة، وألطفهم نشأة، وأكرمهم طينة، وأسلمهم فطرة، وأشدهم بنية.
* أن تعتقد الفتاة أنها لن تنال حظوظها من الدنيا إلا إذا كانت حوراء العينين، كحلاء الجفون، ساجية الطرف، أسيلة الخد، لا تفتح العين على أتم منها حسناً، ولا يقع الطرف على أجمل منها صورة!
* أنا ولدت هكذا ولن أتغير أبداً.
* يجب أن تكون مشاعري ثابتة وعندما أحب لابد أن أنجح.
* ينبغي أن أكون في قمة الكفاءة والإتقان.
* ينبغي أن أكون قادراً على تحمل الصعاب باتزان ورباطة جأش.
* يجب أن يعاملني الجميع باحترام وأن يبتسموا لي في كل وقت.
انتبه للغتك وطريقة حديثك مع نفسك والغير فهي من يرسم حدود عقلك، وتخلص من تلك الأفكار القهرية وقاومها وفككها بالعقل والمنطق وشواهد الحال، وتذكر أنها مصدر رئيس للمشاعر السلبية وسد منيع نحو التطور ومخذل شرس في الحياة.
ومضة قلم:
العواصف الشديدة تحطم الأشجار الضخمة، ولكنها لا تؤثر في العيدان الخضراء التي تنحني لها!
khalid1020@gmail.com