الجزيرة - خاص:
عزا عدد من المسؤولين والقائمين على المراكز، والمؤسسات الإسلامية في أوروبا وأمريكا قصور العمل الدعوي وازدواجيته في هذه المؤسسات إلى عدم وجود خطط واضحة تسير أعمالها.. واستراتيجيات تستند إليها عند تنفيذ رسالتها الدعوية تجاه المسلمين وغيرهم في تلك الدول.. وطغيان العمل الفردي، والأهواء على العمل الجماعي، مؤكدين على أهمية وجود مظلة واحدة تشرف على أعمال هذه المؤسسات والمراكز وخصوصاً في الدول التي تتعدد فيها المراكز والمؤسسات التي تخدم المسلمين في تلك الدول.
مصالح شخصية
فبداية يقول رئيس المجلس الثقافي الإسلامي للأئمة والمساجد في جزر الكناري الشيخ محمد محمود محمود صالح: نحن لا شك أبداً في وجود هذه الازدواجية في بعض المراكز الإسلامية، والتي تغلبت فيها الأهواء والغايات والمصالح الشخصية على الأهداف الحقيقية التي أنشئت هذه المراكز من أجلها، الأمر جعل إدارات المراكز ذات الوزن الثقيل على أرضية العمل الإسلامي تغلق أبوابها على نفسها قاصرة خيرها داخل محيطه راجية السلامة من فقر واحتياجات غيرها، وإن كانت الحجة المعلنة هي الخوف من أخطاء قد يقع فيها الآخرون قد تؤثر على مكانة المركز إعلامياً وسياسياً - نتج عن هذه الحالة الانعزالية نوع من فقد التعاون والتواصل والتفاهم حول كيفية تطوير أساليب العمل الإسلامي وتجسيد الأهداف التي أنشئت هذه المراكز من أجلها - والتي تمثل ميثاق شرف العمل الدعوي بكل فنونه - وتحويله إلى واقع يستطيع النهوض بالجالية الإسلامية وتلبية رغباتها وتحقيق طموحات وآمال أبنائها.
وواصل قائلاً: إننا في جزر الكناري ومحافظة مالقا لا نعاني من هذه الازدواجية، فجميع المراكز والمساجد والهيئات الإسلامية في جزر الكناري تعمل تحت مظلة واحدة تنظم عملها وتربط بينها، هي مظلة: المجلس الثقافي الإسلامي للأئمة والمساجد بجزر الكناري، والذي أتشرف برئاسته منذ إنشائه عام 2003م وحتى اليوم، ومعترف به من قبل السلطات المحلية، وكذلك أسسنا: اتحاد الجمعيات الإسلامية بكنارياس، الأمر ذاته في منطقة مالقا حيث تنتظم جميع المساجد والمراكز الإسلامية تحت إدارة واحدة يشرف عليها مدير المركز الإسلامي في فنخيرولا الداعية الدكتور محمد كمال مصطفى.
وخلص رئيس المجلس الثقافي الإسلامي للأئمة والمساجد في جزر الكناري إلى القول: نحن في أمس الحاجة إلى هيئة إسلامية ذات مصداقية على المستوى الدولي - كوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية على سبيل المثال - لتتبنى هذه المساجد والمراكز والهيئات الإسلامية، تنظيمياً، ومادياً خاصة وأنها جميعاً لا تخضع لأي جهة حكومية لأي من الدول الإسلامية إلى يومنا هذا.
إستراتيجيات محددة
ومن جانبه، يرى الدكتور صالح السنيدي مدير المركز الثقافي الإسباني بمالقا أن السبب الرئيسي لهذه المشكلة هو عدم وجود رؤية واضحة وأهداف محددة واستراتيجيات وخطط عمل، وهو في الأساس ما لمسه مؤسسو المؤسسة منذ البداية وبذلوا جهدهم لتجنبه، ومناطق عمل المؤسسة لا تعاني هذه الازدواجية، حيث أننا نسعى دائما للتواصل والتوافق المستمر ونحرص على تقريب وجهات النظر وبث روح الألفة والأخوة بين الجميع، وفي الوقت نفسه لا يمكننا غض الطرف عن وجود مثل هذه الازدواجية في معظم بلدان أوربا لكن هذا يقل كثيرا في إسبانيا ويتلاشى في محافظة مالقا ويندر في جزر الكناري، حيث إن الأسس التي وضعت من البداية كانت واضحة ومحددة وتعتمد على إستراتيجية واحدة هي ضرورة جمع الكلمة وتوحيد الجهود.
هيئة عليا للدعوة
ويؤكد الدكتور عبدالرزاق محمود تكر خطيب مسجد الرسالة ومركز إسلنغتن الإسلامي بلندن أن ظاهرة عدم التنسيق والازدواجية من أكبر العقبات التي تواجه الدعوة والمراكز الإسلامية في الغرب. ومن المعلوم فإن التعصب وتغليب الأهواء والمصالح الفردية أيّا كان سببهما وباعثهما هما من أكبر العوائق والأسباب التي أفسدت بين أبناء الأمة وجعلتهم شيعاً متناحرة متناثرة، ومما يلاحظ أن كثيرا من القائمين في شؤون المراكز الإسلامية في الغرب تسرب إليهم التعصب المذموم في صفوفهم، ويلاحظ منهم - إلا من رحم ربك- إعجاب كل ذي رأي برأيه مما يساعد على توسيع دائرة الخلاف، بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى أرشد عباده إلى ردّ ما تنازعوا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال: لذا فإننا بحاجة إلى مضاعفة الجهود, وإيجاد آلية منظمة حتى تثمر تلك الجهود وتسدّ الحاجة الملحة, وتحقق الأهداف من وراء الوظائف المناطة بتلك المراكز، كما أننا بحاجة ماسة إلى جمع جهود أبنائنا وخاصة أهل العلم والمعرفة منها، والتخلص من أسباب الصراع فيما بينهم وتحويل طاقتهم نحو العمل البناء المخلص المؤدي إلى حماية الجالية الإسلامية من جهة، ونشر الدعوة الإسلامية في تلك البلاد من جهة أخرى.
وبعد أن تحدث الدكتور عبدالرزاق تكر عن أهمية المراكز الإسلامية في الغرب وأسباب نشأتها ما لها وما عليها أهاب بالمنتمين لهذه المؤسسات والمراكز والمنظمات رؤساء ومرؤوسين أن يتقوا الله في أنفسهم وفي المسلمين، وأن يدركوا أن مشكلة التعصب والاختلاف هما سبيل الفشل وأن التكاتف والتعاون والتنسيق فيما بينهم هي عناصر مهمة يتوقف عليها نجاحهم، والاهتمام بالدراسة والتخطيط لكل عمل سواء كان دعوياً أو سياسياً أو حتى أساليب الخطاب لفئات المجتمع، والبعد عن الارتجال، بالتخطيط تتحدد الأهداف والمهام المطلوبة، وبالتخطيط ينتظم العمل ويحاط به دون إغفال جانب منه، وتشعل كل الطاقات في اختصاصه وتوزع المسؤوليات وتحفز الهمم.
ودعا إلى تطوير وتحديث أساليب الدعوة، وخاصة الجانب الإعلامي سواء كان صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون. والذي أقترحه في هذا المجال هو إيجاد قناة تلفزيونية إسلامية قوية - مثل الجزيرة- تكون من مهماتها تقديم الإسلام لغير المسلمين بصورة حقيقية مشرقة تعكس صورة الإسلام الصادقة، وترد عنه شبهات الأعداء وكذلك تثقيف المسلمين بدينهم، وتذكيرهم بواجبهم تجاه دينهم والدعوة إليه، وتؤصل أوليات المرحلة.
وشدد خطيب مسجد الرسالة ومركز إسلنغتن الإسلامي بلندنعلى أهمية أن تكون العلاقة بين الدعاة والمراكز الإسلامية علاقة حب وإخاء وتعاون وولاء، وعليه يجب على المراكز الإسلامية أن يتفاهموا ويتعاونوا، وأن يكمل بعضهم بعضاً، لا أن يعمل كل مركز لهدم أو إلصاق التهم لغيره وعليهم - وهذا أهم - أن يقفوا في القضايا المصيرية للأمة موقفاً واحداً. فالتنسيق والتعاون بين جهود العاملين لخدمة الدعوة الإسلامية أمر مهم جداً.
كما أكد على أهمية الرفق في التعامل مع المخالفين سواء كانوا من الدعاة أو من عامة المسلمين، أو حتى من غيرهم، فإن الله أمرنا أن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن، والموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر، وقد قرر الفقهاء أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان. وعلى ضوء ذلك فإن المراكز الإسلامية في الغرب في أمس الحاجة في المرحلة الراهنة إلى قيادات واعية تفقه مقتضيات الدعوة في ظروف العصر والمكان الذي نعيش أيامه وآلامه.
واقترح الدكتور عبدالرزاق تكر - في ختام حديثه - عقد اجتماعات ودوريات للقائمين على المراكز الإسلامية في الغرب وتبادل الخبرات والتجارب ودراسة المشاكل المستجدة التي تعترض لمسيرة الدعوة، ووضع الحلول المناسبة لعلاجها في الإطار الإسلامي الصحيح، أن يقوم قادة المراكز الإسلامية بتكوين هيئة عليا للدعوة تقوم للإشراف دعم التنسيق فيما بين الدعاة والمراكز الإسلامية، وتدرس أوجه التحديات التي تواجه الدعوة في الوقت الحاضر، فإن المرحلة الراهنة تتطلب تنسيق الجهود أكثر من أي وقت مضى، كما تتطلب أيضا توحيد صفوف الدعاة والمراكز الإسلامية في الغرب.