لا أحد يعرف لماذا تزداد الأسعار يوماً بعد يوم، ولا أحد يعرف مسؤولية من هذا الارتفاع المستمر دونما رادع، ولا أحد يملك القدرة على كبح جموح هذا التصاعد المربك، ولا أحد يفهم أسباب ارتفاع سعر خدمة لا يدخل فيها أي مواد أولية قد تكون أسعارها هي قد ارتفعت وانعكس تأثيرها على المنتج النهائي.
خلال يوم عيد الأضحى، حاولت أن أعصف فكري، وأستعين بكل ما درسته من نظريات اقتصادية، وبكل المفاهيم والمبادئ الاقتصادية المعروفة منذ السيد آدم سميث، أحد أبرز منظري الاقتصاد المعاصر، وحتى آخر النظريات، كي أفهم سبب ارتفاع تكلفة ذبح الأضاحي، خاصة أن التكلفة لا تتجاوز ثمن السكين، وهي التي لم تتغير، فهناك من استغل ما يتردد من غلاء الأسعار، ليزيد في سلعته أو خدمته حتى لو لم يملك تبريراً مقنعاً لذلك.
مؤخراً رفعت إحدى شركات الألبان الشهيرة أسعار منتجاتها، إلى حد أن بلغ ارتفاع بعض منتجاتها غير الرئيسة إلى ما يقارب 50 في المائة، دون أن أي تبرير لهذه الزيادة الطارئة، ودون أن تبرر وزارة التجارة والصناعة ذلك، أو تعترض عليه، ودون أن تبادر جمعية حماية المستهلك أيضاً، بالتبرير أو الاحتجاج، وهذا بالطبع ضد مبدأ الشفافية والوضوح الذي يفترض أن تنتهجه جميع المؤسسات والشركات، سواء كانت مؤسسات حكومية، أو شركات القطاع الخاص، خاصة مع صعوبة حجب المعلومة، وصعوبة حجب قدرات المستهلك، الذي يجب عدم التقليل من قدرته على التصرف، سواء بالمقاطعة، أو الاحتجاج الجماعي، الذي تولى قيادة زمامه مغردون في تويتر، ومجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بلغت أصواتهم إلى الدول المحيطة، كدول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعاطف بعض هؤلاء بالمشاركة في حملة مقاطعة منتجات هذه الشركة أو تلك.
في رأيي، أنه على هذه الشركات ألا تتجاهل دعوات المستهلكين، وألا تتساهل بأهمية الصوت العالي للمغردين والمشاركين في اتخاذ قرارات جماعية للتأثير على قطاع كبير من المستهلكين لهذه المنتجات، فهؤلاء أيها السادة، مديرو وأعضاء مجالس إدارات هذه الشركات، استطاعوا أن يسقطوا أنظمة ورؤساء دول، بقدرتهم المدهشة على التنظيم والتأثير، ولن يصعب عليهم إسقاط منتج أو سلعة، لذلك لن يجدي إطلاقاً ممارسة الصمت والتجاهل لما يحدث، بل لابد من الظهور الإعلامي، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية، أو وسائل الإعلام الجديد، وتبرير ما حدث من زيادة في الأسعار.
أظن أنه على هذه الشركات ألا تنتظر تدخلاً من وزارة التجارة أو جمعية حماية المستهلك أو غيرهما، بل لابد أن تحترم المستهلك، لأنه هو الوحيد الذي يستطيع إبقاءها داخل دائرة المنافسة، أو العصف بهذه الشركة خارج المنافسة، وتكبيدها خسائر غير متوقعة، ولو حدث أن نجح هؤلاء في إنهاء قدرات شركة، أو إعادتها إلى الخلف بضع خطوات، فإن أي إجراءات جديدة، من أجل تحسين العلاقة مع هؤلاء المستهلكين، لن تفيد، لأنها جاءت في الوقت الضائع، بالضبط كما هي مبادرات السياسيين الذين يتصرفون في اللحظة الأخيرة.
متى نفهم أنه لا يكفي اتخاذ القرار المناسب فحسب، بل علينا أن ندرك أن اتخاذ القرار المناسب، وفي الوقت المناسب، هو الأكثر أهمية وجدوى.