البنية التحتية كمصطلح، تعني ما يقوم عليه أي نظام معماري أو إداري أو اجتماعي. الطوابق العليا في الأنظمة العمرانية ومسارات القطارات والمركبات فوق الجسور، تنهار بسهولة إذا لم تكن أجزاؤها المخفية في العمق متينة ومركوزة بعناية في تربة مناسبة لا تتخللها الأملاح والرطوبة وفطريات العفن.

فاجعة صباح الخميس 16 ذو الحجة 1433هـ في طريق خريص قد تكون أثبتت أن عندنا شيئا من الجودة النوعية في البنية التحتية المعمارية، فالجسر الذي حصل عنده الحادث صمد، وكان المتوقع أن ينهار بسبب قوة الانفجار. للأسف هذه الجودة النوعية للجسور ليست موجودة في الأنفاق التي تحتها ولا في مخارج ومداخل المدارس والمستشفيات والمباني الحكومية. لكن إجمالا مع بعض التجاوز فإن حوادث انهيارات الأنظمة العمرانية عندنا قليل نسبيا بحمد الله، ربما لأننا نبالغ في كميات حديد التسليح والإسمنت، وهذا الثمن يهون أمام احتمالات الانهيارات الكارثية.

لكن ماذا عن الجزء الآخر من البنية التحتية في فاجعة طريق خريص أي المرور الذي تتواجد فيه صهاريج ومركبات تنقل مواد كيميائية شديدة الخطورة وتستعمل نفس المسارات المكتظة بسيارات البشر، وتنطلق بنفس السرعات وتقوم بنفس الاختراقات والاستهتارات المرورية التي أصبحت خصوصية لازمة للفوضى المرورية في هذه البلاد، من المؤكد بما هي عليه الحال المرورية عندنا من سوء الأحوال أن البنية التحتية لنظام المرور تستوجب وقفة طويلة للنقاش الموضوعي المفتوح. جهاز أو نظام المرور السعودي كنظام يتحمل مسؤوليات الانسياب المروري لجميع وسائل النقل والمشاة، تحت كل الظروف، بأكبر قدر من الفعالية وأقل قدر من الخسائر في الأرواح والمركبات والوقت، لم يعد قادرا ولا مقنعا في تعامله مع الوضع الكارثي للمرور. الوضع الميداني لحركة المرور في وطننا العزيز هو كالتالي:

* مدن مكتظة يملك فيها كل مواطن ومقيم مركبته الخاصة.

* بنزين وديزل أرخص من الماء.

* غياب شبه كامل لوسائل النقل العامة بكل مسمياتها.

* مركبات أكثرها مهترئ لا تسمح أفقر المجتمعات باستعمالها.

* سائقون محليون ومستقدمون متوترون لا يفهمون في فنون القيادة سوى الإمساك بعجلة القيادة.

* غياب لافت لرجل المرور إلا في المناسبات الدعائية وحملات التوعية، مع كفاءة نوعية غير مقنعة إذا تواجد، فهو لا يحضر عند الاستدعاء إلا بعد ساعات، وإذا حضر لفلف الموضوع بإجراءات روتينية لا تعبر عن أنظمة محددة وواضحة.

* انتقاص واضح لهيبة السلطات المرورية في الميدان، تتضح من إمكانية الدخول معها في مجادلات ومساومات طويلة، وأيضا من ارتكاب المخالفات المرورية أمامها في حالة غياب أجهزة الرصد الالكترونية.

انتهى

من الصعب عندنا الدخول مع الدوائر العليا للسلطات المرورية في محاولة جردة حساب في أي وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة. يتحول النقاش منذ البداية إلى دفاع هجومي عن النفس وتعداد الإنجازات، رغم أن الإنجازات بحد ذاتها تقع في صميم الواجبات الأساسية، والتعذر بصعوبة الوضع وتقاطع المسؤوليات.

و مع كل ذلك، أي مع انسداد حركة المرور بشكل يومي ومتكرر في أماكن عدة، وكثرة حوادث الاصطدام وتسجيل أعداد كبيرة من القتلى والمصابين غير مفهومة ولا مقبولة في أكثر طرق العالم، فإنه لا يمكن القفز على الإنجاز الأكبر لنظام المرور السعودي. إنجاز نظام ساهر بسرعة وفعالية عاليتين جعله أكبر أجهزة الرقابة المرورية إثارة للرعب في العالم وأكثرها توجيها لأموال المواطنين نحو الخزينة العامة. هذا الإنجاز، وإن أدى إلى انخفاض أعداد الحوادث المميتة نسبيا يعتبر إنجازا عقابيا في المقام الأول، وليس نظاما تثقيفيا ورقابيا هدفه تحسين مواصفات القيادة في طرق المملكة العربية السعودية. أما السؤال عن كيف تم إنجازه بسرعة وكفاءة لم تستثمر في وسائل السيطرة والتحكم والحضور الرقابي البشري الميداني فتلك قضية أخرى.

عودة إلى موضوع المقال، أي فاجعة طريق خريص صباح الخميس الفائت يتوجب طرح الأسئلة التالية:

1- متى يتم تأمين وسائل نقل الأشخاص والبضائع المدنية متدنية الخطورة، ضد أخطار وسائل نقل المواد القابلة للانفجار والتسرب والتسميم المحتملة وشديدة الخطورة؟.

2- متى يتم تثبيت مسارات خاصة للمواكب الرسمية ولسيارات الإسعاف والمرور والدفاع المدني وحالات الولادة الطارئة؟.

3- متى يتم التدخل الفعال والسريع ضد السائق المستهتر والمركبة المخالفة لأنظمة النقل والسلامة، وضد تلويث البيئة بعوادم المركبات المهترئة؟.

4- متى يأتي اليوم الذي لا يتعطل فيه السير لعدة كيلوميترات بسبب حادث تصادم تافه، لا تقاس خسائره بما يسببه للآخرين من ضياع المصالح والوقت وتحطيم الأعصاب؟.

5- وأخيرا متى نرى رجل المرور السعودي المتواجد في كل ميدان، مع تمتعه بهيبة رجل المرور الأمريكي أو الألماني أو البريطاني، أو على الأقل الكوري والماليزي؟.

لعل فاجعة طريق خريص تهز اللوائح الروتينية السائدة في نظام المرور السعودي فيبادر إلى استبدالها بمواصفات علمية وعملية وفعالة.