تنفذ إيران إستراتيجية ناعمة ومزدوجة الأهداف مع دول القارة الإفريقية ومد جسور غير مرئية معها، وتحاول جاهدة لبذل المغريات الاقتصادية لجلب هذه الدول نحو محورها بشكل بيع بترول بأسعار مميزة وتقديم مساعدات عسكرية وعقد دورات تدريبية لقوى الأمن فيها، ويصل أحياناً أن يكون شكل المساعدة بتحمل نفقات ومرتبات القوات العسكرية والأمنية كما أعلنت ذلك جمهورية جزر القمر!
وكشفت عمق هذا التحالف غير المرئي أحداث أيضاً غير متوقعة أولها زيارة وزير الدفاع الإيراني وحيدي لعاصمة الرشيد بغداد وإجرائه مباحثات وصفت بالهامة للغاية، أعقبها مباشرة زيارة رسمية لوزير دفاع موريتانيا ولد محمد الراضي، وحظيت الزيارة باهتمام من حكومة المالكي وأعلن الناطق الصحفي العراقي بتقديم العراق مساعدات عسكرية وتسهيلات بترولية مع تقديم الخبرة العالية العراقية في مكافحة الإرهاب للشقيقة موريتانيا. وأثناء إلقاء تصريحه سمع دوي انفجارات هائلة لسيارات مفخخة قام بتنفيذها مجموعات إرهابية!
وظهرت شكوك إعلامية كثيرة حول هدف هذه الزيارة الغريبة لعدم وجود علاقات وثيقة بين العراق وموريتانيا ومدى تأثيرها على المشهد السياسي والعراقي إلا أن هناك احتمالات كثيرة من وجود صفقة استخبارية لمحاولة تسليم شخصيات عراقية سابقة تحتضنها نواكشوط، وأبرز هذه الشخصيات طاهر حبوش وزير استخبارات عهد صدام حسين والمطلوب من قبل إيران والأحزاب المذهبية العراقية لثأر انتقامي ضده شخصياً. وهناك احتمال جاد برغبة محور روسيا وإيران ومعهم ا لعراق لتشكيل حلف متعاون معهم دبلوماسياً وسياسياً بدايته في موريتانيا والسنغال والنيجر ونيجيريا وأوغندا والسودان!
والحدث الثاني والأهم كمؤشر للتغلغل الإيراني العسكري في دولة عربية إفريقية كالسودان الشقيقة وكشفت الهجمة الجوية الإسرائيلية الغاشمة لمصنع اليرموك لإنتاج الصواريخ البالستية متوسطة المدى مما نتج عن هذا العدوان الإسرائيلي إزاحة التراب عن نفق «السر الاستراتيجي» الإيراني السوداني، وقد أكد هذا التحالف العسكري زيارة البارجتين الحربيتين الإيرانيتين للموانئ السودانية عقب هذا الاعتداء الغاشم ووصفت هذه الزيارة وكالة «برس تي في» الإيرانية بقولها «تشكل هذه الزيارة للقطع البحرية الإيرانية للميناء السوداني في إطار تنفيذ الإستراتيجية العسكرية للتعاون بين البلدين ولتثبيت وجودها في مياه البحر الأحمر الدولية».
وإني أتساءل كعربي «هل يدرك القادة السودانيون في الخرطوم التأثير السلبي لهذا التحالف الاستراتيجي على الأمن القومي العربي والمعرض دوماً للتهديدات الإيرانية!
لإيران أهداف محددة أعدت لتنفيذها خططا جاهزة تؤديها بشكل مبرمج مدروس لبلوغ تلك الأهداف السياسية وذلك لتحشيد دعم دبلوماسي إفريقي في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لكسر طوق العقوبات الاقتصادية المنفذ على اقتصادها ونظامها السياسي وتحقيق منافع اقتصادية باتباع سياسة البترول مقابل اليورانيوم الخام لضمان احتياطي كاف لمفاعلها النووي ومدت جسورا من الصداقة مع النيجر وجنوب إفريقيا لهذا الغرض!
الوجود العربي في القارة الإفريقية يكاد أن يكون معطلاً ولا بد من صحوة عربية جادة ومؤثرة لمد جسور جديدة مع دول القارة الإفريقية ولنا معها موروث كبير من العلاقات الطيبة السابقة أسسها رائد التضامن الإسلامي الفيصل -أسكنه الله جناته- وأمام هذا التغلغل الإيراني بشكل أذرع طويلة في غرب وشرق إفريقيا، والخطر الأهم امتداده نحو القرن الإفريقي المؤثر على أمن البحر الأحمر بأجمعه، ومن المستغرب جداً أن تكون سفارة عربية واحدة فقط في «موروني» عاصمة جزر القمر العربية ورئيس جمهوريتها زعيم التشيع الجديد في هذه الجزر العربية وتلقى تعليمه في حوزة قم على نفقة إيران!
العمل العربي المشترك الجاد أصبح ضرورة قومية ملحة لأخذ موقعنا المناسب في السياسة الإفريقية بأركانه الدبلوماسية بتنشيط مكاتب الجامعة العربية ونشرها في العواصم الإفريقية وبمشاركة الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي ولا بد من تجديد الدم في عروق رابطة العالم الإسلامي والمنظمات التابعة لها والتي «كان» لها نشاط مميز في نشر الدعوة الإسلامية وتفعيل الأهداف السامية للتضامن الإسلامي في القارة الإفريقية!
عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية