لا تزال أسرة أو جماعة النحو وأصدقاء الإعراب - نقصد الإعراب اللغوي وليس من الأعراب - لا يتورعون أحياناً من أن يثيروا الهلع في قلوبنا والفزع في ذائقتنا.. كيف يكون هذا الهلع؟!.. أقول لكم إن هؤلاء ممن ينشغلون أو يشتغلون دائماً بأدق تفاصيل لغتنا حتى في “حتى” والهمزة والمهموز وما إليه لا يكترثون بأي شأن معرفي آخر يقبل التبسيط التذوقي أو النقد الميسر الذي يفضي بالضرورة إلى تقديم رؤية عصرية مناسبة تخدم اللغة وتؤسس لها في مشهد الحياة الجديدة في ظل تزاحم التقنية والمعلوماتية.
ما أثار اهتمام أحد المتابعين لأحد الأنشطة في النادي الأدبي بالرياض، وهو شأن ثقافي وأدبي يتجلى فيه فن الخطابة والإلقاء والإبداع القصصي والشعري، إلا أنه لا حظ أن أحد كبار المعلمين من إحدى الجامعات الذين لهم شأن وحضور وقد انصرف عن الجميع في المحاضرة يحسب بيديه وكأنه يسبح، وهو يهز رأسه كما أهل الوجد أو المناجاة!! فلا تدري أهو معجب بأمر هذه الأمسية أم ساخط ممن يتحدث أو مشدود بما يسمعه في هذا اللقاء الشبابي.
إلا أن صديقنا يقول: أصبت والله العظيم بحيرة عن سر هذه التقطيبة الأبوية غير الحانية لهذا الرجل الوقور جداً حتى حدود الصرامة، لا سيما وأنه يحسب بأصابعه العشر، وربما لو دققت أكثر لوجدته يحسب بعشره الأخرى في قدميه أشياء لا يفهمها أحد في تلك الليلة!
وأضاف الراوي بلوعة: شيخي في تلك الأمسية ومع إكماله عد العشرة بأصابعه يتململ في مكانه، فخلته قد وَلَّد قصة، أو قصيدة تجاري ما يطرح في هذه الأمسية الإبداعية التي أعدت للشباب.. فقال صديقي في سره: تكبر وتبين يا حضرة الشيخ..
في نهاية الأمسية علق المعلم الكبير على القراءات بتألم ودهشة، مؤكداً أن هناك أكثر من خمسين خطأ (لغوياً وإعرابياً) وقع فيه هؤلاء الذين قرؤوا مشاركتهم في الأمسية، فلم يبنوا في وقت البناء، ولم يرفعوا في وقت الرفع، أو يخفضوا في شأن الكسر، وما إلى ذلك، بل.. ولم يعربوا كما يجب.
ولو سألت هذا الضيف الجليل عن ما تم إبداعه من نصوص، فإنه لم يكترث بكل ما قيل أو يقال عنها.. فهو معني -حسب زعمه- في عالم اللغة ولا شأن له بالإبداع أو التذوق.. فهو يريد السلامة في اللغة حتى وإن كان الشعر على نحو النظم التقليدي المباشر:
(الليل ليل والنهار نهار
والشمس ضوء والضياء ضياءُ
والقول للإنسان قول واضح
أم الشياه فقولها: مأماءُ)
أما على الطرف الآخر من هذه المعادلة فهي الكارثة الجديدة التي تواجه اللغة وأهلها، حيث بات يُعبث في تكوين اللغة وسلامتها حتى في الرسم أو الكتابة بأسلوب غير سليم ولا يمت للعربية بصلة على نحو: (يمقن) وهو يريد (يمكن) وغيرها الكثير من الكلمات التي تحور وتبدل ويعبث فيها، فلا هؤلاء نقرهم بعبثهم في لغتنا الأم، ولا نريد هذا التشدد المؤلم من شيخنا الذي يفزعنا بتصيد أخطاء الإعراب والنحو والبناء في أي مناسبة.
hrbda2000@hotmail.com