كان الإرهاب ولا يزال من أقوى المهددات وأشدها قصفاً وبلاءً ورعباً على هذه الأمة، ذلك لأن من خصائصه التدبير الآثم في الظلم واحتراف مباغتة الناس بما يحرمهم صفو اليقظة ولذة النوم واستباحة الدم الإنساني،
ويعتمد نشر الفزع والرعب وتخريب كل شيء بإطلاقه، وهذه قصة حزينة دامية بدأت باغتيال هابيل لشقيقه قابيل في مبدأ المسيرة البشرية، وتكررت القصة في العصور التالية بصور مختلفة وفي عصرنا الحالي حصل الإرهابيون على أدوات وتقنيات مكَّنتهم من تطبيق الفكر الغابر - فكر قابيل ومن قلَّده من بعده بوسائل عصرية.
وقد عُللت هذه الظاهرة بعدة تفاسير أهمها الفقر، لكننا نجد أن أغلب فقراء العالم مسالمون يكدحون ويصِلون نهارهم بليلهم من أجل قوتهم اليومي وحاجاتهم الضرورية، ولو كان الفقر هو علة الإرهاب لتفجّرت بالعالم قنابل مزلزلة لأن معظم سكان العالم فقراء وهو ما لم يتحقق.
كما فُسرت أيضاً بغياب الديمقراطية، ولكننا نجد أن الذين يمارسون الإرهاب لا يطالبون بها، بل يكفرون بها ويعدونها أعظم المفاسد في الحياة البشرية، ويُضاف إلى ذلك أن العنف الاجتماعي والسياسي ظهر في بلدان تتسم وتتشدق بالديمقراطية.
كما فُسرت أيضاً لوجود مناهج تعلم الناس الإرهاب، ولو كان ذلك صحيحاً لأصيب الخريجون كافة بهذا المرض ومارسوه بدأب وحرص فوجاً بعد فوج.. لكن وبعد هذه التفاسير التي ثبت خطأ جلها، هناك ملامة لطيفة أو ضعيفة للمنطقة الأساسية لتصدير العنف للإرهاب وهي منطقة (الدماغ) أو الذهن والفكر في حين أنه كان يجب أن تظهر هذه المنطقة بالاهتمام الأول والأعظم والأطول لأن كل جريمة (إرادية) على الأرض مسبوقة تفكيراً وزمناً بفكرة شريرة في الدماغ، فالفكر الإرهابي هو الجريمة في مرحلتها الجنينية، أما الفعل الإجرامي الإرهابي فهو وليد هذه الفكرة ونتاجها.
لذلك فإنه مهما اتسعت دائرة البحث عن أسباب الإرهاب فإن سبب الانحراف الفكري سيظل في المرتبة الأولى وتأثيره هو الغالب.. وهذا المرض الفكري يمكن أن يظهر في أي بيئة وبعدة أشكال كالعنف والغلو والتطرف والإرهاب ويصيب كل من له استعداد نفسي وعقلي، فلقد ظهر ذو الخويصرة وهو جرثومة الخوارج، ونبتتهم الأولى في عهد النبوة وظهر الخوارج في صورتهم الكبيرة في عهد علي - رضي الله عنه - وكلا العهدين كان فيهما من العدالة والصلاح والرشد والمناخ الطيب ما لا يسمح في سياقه العام بوجود ظاهرة الغلو والعنف ولكنها وجدت كحالة مرضية شاذة.
أما إلصاق هذه الظاهرة بالإسلام فهي قمة التعصب الديني وشذوذ الإعلام العالمي وأحدث ابتكارات الحملات الصليبية للهجوم على الإسلام والمسلمين، والتي يموّلها دائماً وأبداً الحركات المعادية له كالصهيونية والشيوعية والفاشية والنازية.
إن بلاد الحرمين هي قلب العالم الإسلامي ومصدر إلهامه وفيها نزل قوله سبحانه على نبيه كلمة (اقرأ) لتكون منطلق رحلة العلم وبداية سجل المجد ودفة الكون بهذه الكلمة الصغيرة الكبيرة بدأت الرسالة ولم تبدأ بقوله: حارب أو قاتل أو هدد أو أرهب.. لتكون بذلك لدينا عنواناً للعلم دستوره الفهم وأسلوبه القراءة وهدفه التوجيه وعدوه الجهل.
hdla.m@hotmail.comباحث في الشؤون الأمنيّة والقضايا الفكريّة ومكافحة الإرهاب