كتبتُ مقالاً في عدد هذه الجريدة رقم (14632) بعنوان (التويتر... والفخ) صوّرتُ فيه حالة فريقين، يتباريان في رمي أحدهما الآخر بأقذع الأوصاف والتصنيفات، الدافع الأكبر لذلك هو (الهوى) وهذا المقال كان بسبب طارئ، ذلك أنه عقب انفجار شاحنة الغاز بالرياض، وما خلّفه من ضحايا وتلفيات، هي في الحقيقة من جملة المصائب المقدّرة شرعاً، وإن كان لها أسباب بالتأكيد، هالني ما رأيته بأم عيني من استغلال (البعض) لهذه الحادثة الأليمة، استغلالاً، لا يخدم الوطن ولا يرقى للمهنية، وإنما يخدم المتربصين بالوطن، حادث عرضي وغير جنائي، يُستغل بهذه الطريقة الحمقاء، وممّن يا ترى؟ من مثقفين وأكاديميين ودعاة ومشايخ، يفترض فيهم العقلانية والحكمة في التعاطي مع الحدث، استغلوا موقع التواصل الاجتماعي (التويتر) وطفقوا يشنّعون بالمسؤولين ووسائل الإعلام الوطنية، أحدهم استلم وزير الثقافة والإعلام شخصياً، والآخر استلم وبعنفوانية (القناة الأولى) السعودية ومديرها، والآخر استلم مدير الدفاع المدني شخصياً. المعلوم أن تأجيج المشكلة وتهويلها وشحن المجتمع، كل ذلك له نتائج عكسية وخيمة، تسير عكس التيار، ليست في صالح الوطن، أقلّ ما فيها أنها تصيب المجتمع بالهلع والخوف، نعم هذا الحادث أليم جداً، ربما لم نتعود على مثله، وفاجعة كبيرة غير متصورة، ونسأل الله أن يجعله الأول والأخير، ويرحم من توفاه الله جرّاءه، ويجبر مصيبة أهله ويمنّ على المصابين بالشفاء العاجل، المتابع لهذا (التويتر) ولربما (الفيس بوك) في الحقيقة ينزعج ويتأسف للحالة التي اعتلاها البعض وطفق يغرد بأسوأ الكلمات في حق الوطن، هذا الحادث وقع وليس في الوسع ردّه، ونتائجه المفجعة حدثت، وليس في الوسع تجاهلها، ووقْع ذلك كله على النفوس كبير والحادث جلل، لكن هل من الحكمة، السخرية من المسؤولين بهذه الطريقة الممجوجة؟! لو كان من تولى ذلك الإرجاف نفر من المبتدئين، لقلنا إن القلم مرفوع عنهم، أما وأن يضطلع بها كتاب أعمدة وأكاديميون ودعاة ومشايخ، كنا نظنّهم، ممّن يثبت عند هذه الحوادث والفواجع الطارئة، ويساهم بتهدئة الجمهور والمفجوعين، لا أن يسكب البنزين على النار ويؤلب المجتمع على الوطن وقيادته ومسؤوليه بهذه الطريقة غير السليمة من وجهة نظري، ولكأنهم من المتربصين الذين أظنهم يتحينون الفرص للنيل من الوطن تحت ذريعة هذا النقد غير الهادف، ولربما المدفوع الثمن، ما يقوم به هؤلاء وإضرابهم هوعين الاستغلال الأعمى والإرجاف، الملتصق بالمنافقين في صدر الإسلام، هؤلاء هم المرجفون في المدينة، بغية التشنيع بوطنهم، لا السعي بالوسائل السليمة التي تساهم بإيصال النقد الهادف إلى المسؤول، هؤلاء هم العدو، الواجب الحذر منهم، أطلّوا بأقلامهم الصفراء، عبر هذه المنابر العشوائية، التي كشفت نواياهم وتوجهاتهم، استغل هذه الحادثة الأليمة مجموعة من الشياطين (أعداء الوطن) في أوكارهم في لندن وغيرها، تعرفهم بتغريداتهم المغلفة بحب المواطن، لا الوطن، وهم ألدّ أعدائه، يؤلبون أصحاب العقول الغضّة على وطنهم، لا يعدون كونهم أدوات مؤدلجة، ومسيسة، قبضوا ثمن هذا التهور السلوكي المريض، كلنا نريد الخير لهذا الوطن وقيادته الرشيدة، وكلّ منّا يغني على ليلاه، لكن من في قلبه مرض، سرعان ما ينكشف عواره ويكشف زيف نفسه بنفسه من خلال المواقف الحرجة، تكشفه فلتات لسانه وقلمه، وفي هذا العصر، ومن خلال تقنياته المتسارعة، لم يعد ثمّة من يتخفى باسم مستعار، فضلاً عمّن يجاهر بكبريائه وعنترياته، لا حرج من النقد الهادف البعيد عن التجريح، بل كل يدعو له، بدءاً من قيادة هذا الوطن، لكن ما عداه يبقى في الدائرة الرمادية، مثل هذه الحوادث والمصائب والفواجع تقع في أنحاء كثيرة من بلاد العالم، ويقع أشنع منها، تتعلم منها الدول الحية (تلقائياً) وتكون سبباً مباشراً للقضاء على ما لديها من سلبيات، هكذا هي الحياة دروس وعبر، متأكد جداً أن الجهات المختصة لدينا من أعلى سلطة، لن يمر عليها هذا الحادث الجلل مرور الكرام، بل أظنها ستتخذ كافة السبل للحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث المفجعة، ولربما تسارع في اتخاذ قرار صارم يقضي بإبعاد محطات الوقود خارج الأحياء السكنية، لكونها قنابل موقوتة مهددة للأرواح والممتلكات، وتحديد دخول شاحنات الوقود والغاز للمدن، تمهيداً لمنعها بتاتاً، وتسريع العمل بمشروع تمديد الغاز داخل الأرض، وعوداً على بدء، ما تبناه هؤلاء المرجفون من حملة هوجاء على الوطن ومسؤوليه لا تعدو كونها خطوة في الاتجاه المعاكس، تهدم ولا تبني، فالوطن بخير ومن خير إلى خير، والحوادث والفواجع والمصائب نسبية، من نظر إلى كوارث ومصائب الغير، هانت عليه مصيبته، فقط يا جماعة التويتر وإخوانه، رفقاً بالوطن وسفينته، ويبقى الوطن بمساحته الكبيرة للمواطن الصالح... ودمتم سالمين.