المسجد النبوي، مسجد رسول الله، نبينا محمد بن عبد الله، في مدينة طيبة الطيبة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، لقد زرتها سنوات وسنوات وشهدت مراحل تطوُّر المسجد النبوي والمناطق المحيطة به، من ساحات وطرقات ومبانٍ وفنادق وشوارع وميادين، تغيّرت المدينة شكلاً وستبقى
دونما تغيير مضموناً بحول الله تعالى، ربّاه ما أجملها من بلدة، إجماع على الشعور بالهدوء والطمأنينة فيها والبركة في وقتها وفي مأكلها ومشربها، أتيتها بعد عيد الفطر وأمضيت يومين من عشر ذي الحجة وعيّدت فيها العيد الأكبر وأول يوم من أيام التشريق. نمشي من مكان إقامتنا الذي يبعد بضع مئات من الأمتار عن أول باب من أبواب المسجد ذي الرّوعة والبهاء، ولا تسأل عن الطقس، حيث كنا في خريف جميل لا تتجاوز درجة الحرارة القصوى الثماني وعشرين درجة مئوية. كل شيء جميل مادياً: روعة في البناء وأناقة في الفرش ونظافة في كل شيء وماء زمزم المتوفّر في أرجاء المسجد وساحاته، وتنسيق في إضاءته وظل ظليل تحت مظلاته، وهواء منعش من خلال مكيّفاته.
أما بالنسبة للجانب البشري، فالأمر على غير ما يريده معظم الناس منا. لا أعرف كيف أبدأ فيما يتعلّق بروّاد ذلكم المسجد الرائع: المتوقع من كل مسلم أن يتجه إلى مساجد الله، ومثل هذا المسجد على وجه الخصوص، بكل سكينة وطمأنينة، ولقد ألّف أئمة المسلمين مصنّفات حول آداب المشي إلى الصلاة، وتحديداً مؤلّف الإمام المجدِّد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى. المشاة يمشون على افتراض عدم وجود مشاة آخرين، فترى من يمشي وهو ملتفت إلى أن يكاد الاصطدام بماش آخر، وترى آخر يمشي مستخدماً جواله مركزاً اهتمامه عليه، وهناك من يدفع بعربة خلفك ويكاد يتماس مع كعبيك، ثم هنالك العديد من الأطفال المتراكضين والمتسابقين والمستخدمين “الدراجات” و”السكوترات” و”الرولسكيتات” و”اللاعبين بالكرات”، في ساحات المسجد المعدّة للصلوات وليس لمزاولة نشاطات رياضية أو ترويحية. ثم هنالك الأُسر المفترشة في ساحات المسجد بأطعمة وأنواع المشروبات، الساخن منها والبارد، وهم بذلك في وضع يذكِّرك بـ”الكشتات”. أما داخل المسجد فترى الصبية يسرحون ويمرحون ويلعبون ألعاب المطاردة والسباق ولكأنهم في حديقة عامة، فأين أولياء الأمور عن أولادهم، ألا يجب أن يربّى النشء على احترام بيوت الله، والتعامل معها باعتبارها بيوت عبادة وذكر وتلاوة قرآن؟ إنْ استمر الصغار على مزاولة سلوكيات لا تليق بمساجد الله، فلن يستشعروا روحانيتها المناسبة لها. وبالنسبة للكبار فما أكثر متخطِّي الرِّقاب والمارِّين بين يديْ المصلين، وكما هو معلوم هذان أمران قد تم النهي عنهما وتأثيم من يزاولهما.
وهذا المسجد العظيم واسع الأرجاء يحتكر إمامته إمام واحد لفروض أربعة ولصلاة العيد، ومن الحكمة كما هو معلوم تعاقب الأئمة على فروض الصلاة الخمسة. وعندما يعلن عن صلاة الميت، فإنك لتعجب من شروع بعض المصلين في النافلة مفوّتاً على نفسه أجر صلاة الجنازة. ولحظت أنّ الإمام لا يعطي وقتاً بعد التكبيرة الأولى وقبل الثانية لإكمال سورة الفاتحة ولا بين التكبيرتين الثانية والثالثة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتيح فرصة كافية لإكمال الدعاء للميت ما بين التكبيرتين الثالثة والرابعة، لاسيما إذا كان المصلى عليه من الأطفال، علماً أنّ المصلي يدعو للميت ولموتى المسلمين ولوالديه ومن له حق عليه ولنفسه إذا صار ما صار إليه، فلماذا العجلة يا من يؤم الناس في صلاة الميت؟
وفي يوم عرفة الذي يصومه غير الحاج لعظيم فضله، تعال معي يا قارئي الكريم لترى مفارش تمد لوضع الأطعمة عليها من المشروبات والمأكولات، كميات عظيمة من الأطعمة التي لا يؤكل إلاّ نسبة قليلة منها، فلم ألحظ أنّ تنظيماً وُضع لهذا الأمر. فعلى رئاسة الحرمين وضع تنظيم لذلك، ولو لي من الأمر شيء لقصرت الأمر على التمر وما هو موفّر في المسجد من ماء زمزم، جميل المذاق. وفرص الإطعام وترك البعض النوم في المسجد ما بين الصلوات، يشجع على تكدُّس الحجاج والزوار وعلى إطالة بقائهم في المسجد وما حوله.
وما يخص الروضة الشريفة لاحظت عدم تنظيم لارتيادها إذ يترك المصلون المكوث حسب رغبتهم، ولإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الراغبين في الصلاة فيها يتطلّب الأمر وضع تنظيم لذلك.
alshaikhaziz@gmail.com