لاقت فكرة تقسيم أوجه النشاط في القطاع الخاص إلى مستويات، ومتابعة كل مستوى مهما كان حجمه، استحسان كل المتابعين على اختلاف اهتماماتهم، إذ لم يعد أحد يتحمل أو يرضى بما يدور في ميدان العمل من فوضى لا حدود لها، فوضى الأعداد المتزايدة من العمالة الرخيصة الهمل التي غدت ملء السمع والبصر في كل مكان، عمالة لا تحسن أي شيء سوى النصب والاحتيال وادعاء القدرة على الإنجاز وبأتم صورة، بينما هي في الواقع تتعلم بالمحاولة والخطأ، مستغلة غيبة أجهزة المراقبة والمحاسبة.
ومما عزز الاستحسان أن الغاية المعلنة لهذا التقسيم هو تخليص المجتمع من العمالة السائبة الزائدة عن الحاجة التي لا يحتاجها سوق العمل لا من حيث النوع ولا من حيث الكم، وبهذا يقطع الطريق على المؤسسات الوهمية والمؤسسات غير الجادة التي أنشئت بهدف جلب العمالة من الخارج وتركها تسرح وتمرح في سوق العمل وفي أي مكان تشاء، المهم أن يتدفق المخصص المتفق عليه في نهاية كل شهر، كما أن تخليص سوق العمل من العمالة السائبة يفتح المجال أمام تفعيل توطين السعوديين في سوق العمل، وتشغيلهم في المؤسسات الجادة، وهذا حق مشروع لأبناء الوطن، وفيه مصلحة راجحة بينة للوطن ولأبنائه، لهذا الكل فرح مسرور متفائل من النتائج المتوقعة لهذا التقسيم الذي سوف يفصل بين المؤسسات الوهمية وبين المؤسسات الجادة التي تأثرت بفوضى العمالة التي تجلبها المؤسسات الوهمية.
لا يخفى أن أوجه النشاط في مؤسسات القطاع الخاص مختلفة متنوعة، وكلها ينطلق رافعا شعار المساهمة في دعم عجلة التنمية في المملكة ودفعها إلى مزيد من التطور والتقدم، لكن المؤكد أن تلك المؤسسات تختلف أيضا في درجة أهميتها وجديتها، ولكونها تشكل إضافة فاعلة في تعزيز الاقتصاد الوطني، أو كونها تشكل عبئا على الاقتصاد، فبعض هذه المؤسسات جاد يسهم بشكل واضح فاعل في دفع عجلة التنمية، وتحمل جزءا من العبء المالي والإداري عن الأجهزة الحكومية، لكن بعض الآخر -وهي الأكثر- مثل الضرس الأعلى يأكل ولا يؤكل عليه، أي أنها عبء على الاقتصاد الوطني، تستنزفه ولا تحقق له أية إضافة وقيمة، بل لا وجود لها على أرض الواقع، فهي مجرد أسماء وهمية وعناوين على الورق ليس إلا.
وهذا الصنف من المؤسسات هي التي يجب البدء في معالجة وضعها، والتضييق عليها، وتتبع عملياتها الوهمية التي تسبح في الفضاء، وعمالتها الرخيصة التي تملأ الأرض عند إشارات المرور، وفي الساحات العامة، ومواقف السيارات، وفي الاستراحات، وعلى الأرصفة، يبيعون كل ما هب ودب، وعند أبواب المساجد يبيعون المساويك والجوارب والخضار والفواكه، والأجهزة المهربة، هذه المؤسسات عالة اقتصادية، وعلة اجتماعية، لأنها جاءت بالعمالة تستخدمها للصرف على ملاك هذه المؤسسات، جاءت بهم وأطلقت لهم العنان يجوبون مدن المملكة وقراها حسب هواهم، وحسب ما يتوفر لهم من فرص العمل الرخيصة أحيانا، والمخالفة لأنظمة الإقامة والعمل وأخلاقه أحيانا كثيرة، المهم أن يجودوا ولا يتأخروا بما اتفق عليه مع نهاية كل شهر.
هذه المؤسسات الوهمية يجب الإجهاز عليها وتصفيتها حالا، لأن عمالتها تشكل الرقم الأكبر بين العمالة الوافدة، وهي عمالة رخيصة جاهلة لا جدوى منها، ولا قيمة لها، بل وجدت في أسواقنا التي يغيب عنها الرقيب والحسيب، فرصة لها تعبث كيفما تشاء، وتضايق أصحاب المحلات، وتتعلم عند هذا وذاك، لا أحد يراقب ولا أحد يحاسب، حيث ثبت أنه في حال حصول ضرر على المواطن فإنه لن يجد من يلجأ إليه لأخذ حقه ومعاقبة المتسبب في الضرر، والشواهد على هذا كثيرة ومتواترة في مختلف المجالات.
إن سوق العمل السعودي يعاني من تخمة مزمنة يتعذر شفاؤها بسبب كثرة العمالة الوافدة، وهي في جملتها عمالة رخيصة غير مؤهلة لا تعرف حتى أبسط أبجديات العمل ومهاراته استقدمتها مؤسسات وهمية لا وازع أخلاقيا عندها ولا وطنيا، وبسبب كثرة هذه العمالة صار العامل يضايق الآخر، يزاحمه ويشكك في قدراته ودرجة إتقانه وأمانته، المهم أن يفوز بالكعكة بغض النظر عن قيم العمل وأخلاقه، ودرجة إتقانه وكماله، فهل تنجح وزارة العمل في تخليص سوق العمل من هذه العمالة الهاملة؟.