o لم يعد الهامش في المجتمع مجرد أساطير شعبية أو حكاوى يرويها الشيوخ في مجالس الشباب، لكنه تحول مع مرور الزمن إلى سلطة تتوجه إليها الجماهير، وفي ذلك تغير اجتماعي وعلامة تاريخية على خروج معادلة جديدة للسلطات في المجتمعات.. يقول ميشال فوكو السلطة تنبع من كل شيء، وفي هذه الأيام أجدها تتشكل في الهامش الإعلامي، بعد أن اختار الإعلام الرسمي في بعض الأحيان لغة الصمت أمام قضايا الناس وهمومهم وحراكهم.
o سخرت السلطة في مصر من الحراك في الهامش، فكانت النتيجة زوالها في زمن قياسي، بعد أن قرر الهامش الخروج إلى الميدان، وكان السبب الرئيس إهمال السلطات الرسمية لقضايا الناس ومطالبهم، وما يحدث الآن في دولة الكويت المجاورة أعطى دفعة مضاعفة لسلطة الهامش، بعد أن تم إقفال الفضاء الإعلامي الرسمي، ومن ثم إغفال الحدث الأكبر في تاريخ الكويت بعد ذلك في أخبار القنوات الإعلامية الكبرى في العالم العربي، وقد كانت تغطية وسائل التواصل الاجتماعي للحدث كافية لنقل الخبر إلى العالم أجمع، وخلالها كسب الهامش أحد جولات الإعلام السياسي في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة.
o هل يدرك خبراء الإعلام الرسمي في العالم العربي أن وسائل التواصل الاجتماعي قد سرقت بالفعل الجماهير من قنواتهم وجرائدهم وأخبارهم، والسبب البطء الذي يصل إلى الشلل التام أمام حراك المجتمع، والانتقائية في نقل هموم الهوامش، فقد أدت هذه السياسة غير الواعية إلى تحويل المواطن إلى إعلامي مسيس، همه الأول البحث عن الأخبار الممنوعة ثم نشرها على صفحته في الهامش، وإلى ناشط سياسي هدفها الآخر إثبات مصداقيته أمام تعتيم سلطة الإعلام شبه الرسمي، وكانت النتيجة أن فُتحت الأبواب على مصراعيها لكافة أطياف المجتمع للمشاركة لتقديم قضاياهم للقراء.
o في ميادين الهامش أصبح لكافة المهمشين في الماضي قنوات خاصة، يبثون منها همومهم ومعاناتهم، وليتحول مع مرور الزمن إلى “هايد بارك” افتراضية لدعاة التحرر والتطرف وأصحاب القضايا الإنسانية، كان آخر تلك الصرعات في الهامش أن تتبنت طقاقة شعبية مشهورة قضية العنصرية في المجتمع، كان نجاحها في الحديث عن المسكوت عنه في قضايا النظرة الدونية لأصحاب البشرة السوداء في المجتمع، وقد حظيت بمتابعة متسارعة، وأن يتزايد أتباعها إلى عشرات الآلاف في وقت قصير، وأن يتواصل معها عليّة القوم ونخبهم، وفجأة وبدون مقدمات ظهر المجتمع في أهبة الاستعداد للدخول في فترة الستينات الميلادية في الغرب.
o يحدث هذا في الهامش بينما يغط الإعلام الإخباري العربي في وهم مؤسسات إعلامية خاصة، هدفها التطوير الإعلامي، واحترام المشاهد، ونقل الخبر والصورة في زمن قياسي، لكن ما يحدث في الواقع غير ذلك، فالتعتيم الإعلامي الموجه مهيمن على أخبار القنوات، مما يعني أن أبواب الابتزاز الإعلامي القديمة لم تؤصد تماماً، وأن المساومة على نشر الأخبار الممنوعة لا زالت سوقها قائمة، وربّما ارتفعت الأسعار عند مقارنتها بعصر السبعينيات الميلادية، وقد يكون الثمن الحالي ليس مقابل منع ظهور الخبر، والذي حتماً سيجد مكاناً لامعاً له في إعلام الهامش.. ولكن في منع إعطائه التوهج الإعلامي كما يحدث على سبيل المثال في أخبار لبنان وسوريا وليبيا واليمن.
o أخيراً لا تزال القنوات الإخبارية العربية تحظى بنسبة جيدة من المتابعة، ولا زالت أعناق الجماهير تارة تلتفت يميناً في اتجاه القنوات الإعلامية العربية شبه الرسمية، وتارة يساراً في اتجاه إعلام الهامش، لكن الإصرار على الانتقائية في نقل الأخبار وإهمال قضايا المهمشين قد يعطي مزيداً من الالتفاتة نحو الهامش، وقد تليها مرحلة الاستعداد الذهني للانتقال التام للمصداقية الإعلامية من الرسمي إلى الهامش وحينها يحدث الانقلاب على جميع العلاقات الرسمية.