انتهت هدنة الإبراهيمي لوقف القتال في سورية زمنياً، وهي التي لم تصمد سوى ثلاث ساعات بعد أن خرقها النظام السوري حينما أرعبته المظاهرات السلمية التي نظَّمها السوريون في اليوم الأول للاحتفاء بالثورة احتفالاً مميزاً متزامناً مع عيد الأضحى، إلا أن النظام السوري الذي شَعرَ بأن هذه المظاهرات ستتكفَّل بالقضاء عليه، أوعز إلى طائراته المقاتلة لتنفيذ ما عجزت عنه قواته البرية والعصابات الطائفية التي قَدِمت من لبنان والعراق، فقامت الطائرات المقاتلة والمروحية الحربية بإلقاء القنابل وبراميل البارود والمتفجرات على المنازل، فقتلت المدنيين والأبرياء، وابتدع النظام السوري لـ»معايدة» الشعب السوري في أيام العيد فكثَّف من تفجير السيارات المفخخة في الميادين والمساكن الحساسة، مما اضطر الثوار إلى مواجهة أعماله شريرة لم تكن في الحسبان، فعملوا على مواجهة التفجيرات بإخلاء السكان ومحاولة إبطال المتفجرات مثلما حصل في مدينة أبوكمال.

بهذه الأساليب الشريرة تعامل نظام بشار الأسد مع هدنة الإبراهيمي التي لم يتعامل معها من أطلقها التعامل الاحترافي المفروض، فهذه الهدنة لم يتم الإعداد لها ولم تُهيأ آلياتها، ولهذا لم تمتلك أية مقومات على الأرض، فبالإضافة إلى الطرفين الفاعلين على مسرح العمليات جيش الأسد والجيش السوري الحر، هناك أطراف قتالية متداخلة، فهناك المليشيات الطائفية القادمة من لبنان والعراق ومجاميع الشبيحة وعصابات القتل المنتشرة على الطرقات الدولية، وحتى في الأحياء إضافة إلى جماعات قتالية غير منضبطة تقوم بالتفجيرات وترتكب الخروقات وتتعامل مع أطراف القتال، وهذا ما يجعل تطبيق الهدنة صعباً، بل مستحيلاً خصوصاً أن الحديث عنها جاء قبل موعد تنفيذها بأيام قليلة، بل وحتى ساعات، فلم يعلن النظام السوري وعبر مؤسسة الجيش إلا ليلة العيد، وقفاً مشروطاً ووضع المبررات والحجج لعدم الالتزام به وهو ما حصل فعلاً.

انهيار الهدنة وفشلها يطرح مجدداً مدى أهمية وفاعلية مهمة الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأُممي والعربي، فالرجل الذي يُوصف بأنه من أكثر الدبلوماسيين الأُمميين خبرةً في التعامل مع الأزمات الدولية، لم يفصح عن إستراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة السورية، فهو ينتقل بين عواصم الدول ذات العلاقة بتطورات الأزمة، دون أن يتحدث عن برنامجه بهدف إبقاء مهمته من خلال تحركاته واجتماعاته، وهذا ما جعل المتابعين يعتبرون بأن مهمته هي «إثبات حضور فقط» لإشغال الساحة السياسية الدولية والإقليمية، حتى يتم الانتهاء من بعض الاستحقاقات الدستورية في الدول الكبرى والإقليمية، مشيرين بذلك إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو بهذا يلجأ إلى أسلوب تقطيع الوقت حتى تتم هذه الاستحقاقات ليتم بعدها التعامل مع الأزمة وفق التصور الذي ستقدمه الإدارات الجديدة في تلك الدول.

أسلوب تقطيع الوقت هذا، وإن نجح في الإبقاء على مهمة الإبراهيمي، إلا أنه أضر كثيراً بالشعب السوري الذي يدفع كل يوم مئات الضحايا وتتسع دائرة التورط في الأزمة التي بدأت إفرازاتها السلبية تنتقل إلى الدول المجاورة، مثلما لاحظنا تأثر لبنان بذلك، والتخوف من أن تنتقل العدوى إلى الأردن وتركيا والعراق.